لسنا بحاجة الى مختار العصر

علي حسين 2013/05/26 10:01:00 م

لسنا بحاجة الى  مختار العصر

التغيير في بلدان الكرة الارضية ألوان.. والحكومات أيضا.. وإذا كان تاريخ الثورات في العالم قد عرف الأبيض والازرق والأخضر والاحمر، فإن بعضا من جهابذتنا قرروا أن يكون "الاسود" لونا معتمدا للتغيير الذي حدث في العراق عام 2003، وذلك من خلال محاولات لا تتوقف للتشكيك ب " أهلية " العراقيين ، وبانهم مجموعة من سكان الكهوف ، لايجوز تعريضهم للضوء ، اليوم  نجد من يطرح التساؤولات الخبيثة حول حاجة البلاد الى رجل قوي " الساعدين والمنكبين ".. هؤلاء بعد ان وفرت لهم الديمقراطية الحصول على المناصب والمنافع، قررو في لحظة غدر شتم هذه الديمقراطية، لانها تمنع وجود حاكم يجلس على انفاس الناس الى نهاية العمر .
في مقال مثير للدهشة يكتب الاعلامي سالم مشكور عن خطأ الديمقراطية العراقية قائلا:" أننا كنا نحتاج إلى ‏ديكتاتورية عادلة (عسكرية أو ‏مدنية) ،  ‏لكن واشنطن أهدتنا ديمقراطية ‏مشوَّهة".
فكرة الدكتاتور العادل، الذي يصفه البعض بأنه القادر على قيادة دول وشعوب لم تترسخ لديها مفاهيم الديمقراطية والحريات.. لم تكن وليدة اليوم، فمنذ سنوات والكثير من الكتـَّاب العرب يخرجون علينا كل يوم بعبارات من عينة أن العراق بموقعه الجغرافي وتكوينه الاجتماعي لا يصلح معه إلا حاكم "متجهم الوجه".
تخبرنا تجارب الشعوب بأن أكثر من عشرة رؤساء تغيـَّروا في أميركا منذ منتصف القرن الماضي، وانتقلت فرنسا من الديغولية الى الاشتراكية الى الوسطية  ، اكثر من مرة، وخرج من الحكم زعماء في بريطانيا بحجم ماكميلان وتاتشر، ولم تقم تظاهرة في نيويورك او باريس او لندن، ولكننا في العراق نجد مَن يصـرّ على أن الأمم تذهب مع ذهاب قادتها، حتى وإن كانوا مستبدين، المطلوب أن تغيب العقول وراء ضباب الجهل والانتهازية.
يكتب مونتسكيو في كتابه الشهير روح القوانين أن المستبد هو: "الذي ينفرد بالرأي والحكم وفقاً لأهوائه ورغباته من دون مشاورة أو استرشاد من أحد، ولا يملك أي فضيلة يعتمد عليها في تأكيد مشروعيته السياسية سوى ما يحاول أن يزرعه في أذهان وقلوب المجتمع من الخوف والمهانة، بحيث لا يكون في نفوسهم سوى الترهيب والتخويف، اعتقاداً منه بأن ذلك يوفر الطمأنينة والسلام".. وفي العام 1865 يقف فيلسوف الديمقراطية ستيوارت ميل ليعلن من داخل البرلمان البريطاني أن أسمى مبادئ الحكم هي في حرية الفرد باختيار حاكمه مضيفا: " أن الحاكم السيء يمكن أن يشوّه اي نظام جيد، وان الحاكم الكفء قادر على تصحيح فجوات الأنظمة السيئة.
أعطى العراق في ظل دولة القانون مثالا سيئا لضعاف النفوس، لم يعد الولاء للخارج مخجلا ولا خيانة، لم تعد الشعارات المثيرة للأحقاد والضغينة جريمة.. وبدل نداء الأوطان وواجبات الوطن، اصبحنا نرى من يفضل نداء الغرائز والوحشية على لغة التسامح والمودة.
الذي حدث بعد عشر سنوات من التغيير، وجد الناس انفسهم يعيشون في ظل "استعمار" وطني، تم من خلاله الاستيلاء على البلد سياسيا واقتصاديا.. وإخضاعه بالقوة.. وشل إرادته االاجتماعية.. ونهب ثرواته وفرض سلطات تعطل إمكانات النمو وحرية التفكير... وهذا هو الخطر الحقيقي وليست الديمقراطية، لأن الأنظمة الحديثة نزعت القداسة والبطولة عن الحاكم.. لم يعد خالدا.. ولم يعد " مغوارا ".. وهذا هو الفرق بين ماجرى في العراق ومايجرى في بلدان مثل البرازيل وتركيا.. بين البطولة والوظيفة.. فنحن لانريد نؤمن ان المسؤول موظف عمومي يُدير مؤسسات الدولة فى فترة انتخابه، ويغادر من أجل شخص آخر لديه قدرات وطاقات جديدة.. البشرية كلما تقدمت كانت أميل إلى نزع أقنعة " الالوهية " عن حكامها، لتتخلص من أوهام تربط الحكم بالدين أو بالبطولة فى ميادين الحرب.
الحكومات الفاعلة تفتح طرق الحياة مع مواطنيها، فيما يشيـِّد ساستنا سدوداً بينهم وبين الناس.. ولهذا فقد ابدلنا هدوء الديمقراطية ، بسياسة القسوة والفظاظة، ولم تعد الطائفية عيباً ولا الخراب جريمة، وصار هناك آباء للقتل وزعماء لعصابات الجريمة، ووجدنا من يغامر بمستقبل الوطن وينسف آمال المستقبل، ولم تبقَ هناك ضوابط اجتماعية أو أخلاقية. فقد انتقل ساستنا المتقاتلون على الكراسي، إلى مذاهبهم وقبائلهم وطوائفهم، ولم يعد يهمهم أن يبقى الوطن واحداً، إذ كان في تعدد الأوطان زيادة في الارصدة والامتيازات.
فيا عزيزي.. المشكلة ليست في الديمقراطية، وإنما في النظام السياسي الذي يرعى هذه الديمقراطية، اما التفكير في إعادة نظام قديم بعد رحلة طويلة خاضتها البشرية من اجل تقديم نُظم سياسية تناسب العصر، إنما هو محاولة لمنح الحاكم سلطة التحكم بمصائر البلاد والعباد.
اليوم الشعوب تقدمت بفضل سعي مواطنيها إلى نزع أقنعة القداسة عن حكامها، وتخلصت من أوهام تربط الحكم بالقوة..والعدل بالاستبداد.. والازدهار بالبطولة في ساحات الحروب.. والأمان بتحويل الشعب الى مخبرين ووشاة..والعدالة في فتح أبواب السجون على مصارعها!.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top