TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تعالوا نبني البصرة عاصمة للثقافة العربية

تعالوا نبني البصرة عاصمة للثقافة العربية

نشر في: 11 يناير, 2014: 09:01 م

حدّثني فنان وملحن بصري معروف أن إحدى القنوات التلفزيونية التابعة لحزب إسلامي، حاكم ومعروف، منعت بث أنشودة لحنها ليؤديها طلبة إحدى المدارس في احتفالية بمناسبة عيد الجيش العراقي الأخير، ذلك لأن الموسيقى وآلات العزف ووقوف الطالبات قضية تتقاطع مع برامج القناة، والقضية معروفة لدى الجميع بأن غالبية القنوات الدينية، -وما أكثرها- لها مواقف سلبية من الموسيقى والغناء بما فيها أناشيد الطفولة التي منها تغاريد البلابل وزقزقة العصافير وأصوات المياه والريح وكل ما في الطبيعة من معاني الجمال.
تذكرت ذلك وما زالت ترن في أذني حتى الساعة هذه أنشودة (يا صباح الخير يا حلو النسيم، فيك نور الكون وضّاح بسيم..) التي كنا نرددها صباح كل خميس في مدرسة السَّراجي الابتدائية، تذكرتها ساعة تلفتت عيني إلى غرفة المرسم وغرفة الموسيقى اللتين كانتا في نهاية الممر الطويل لمدرستنا، هناك حيث كان يجلس معلم العربية المرحوم صبري الدغمان، الشيوعي العائد من الجزائر نهاية الستينات، المولع بأغاني عبد الحليم حافظ، والذي لا زلت أحفظ عن ظهر قلب وعين، النشرة الحائطية التي كان يعدها ويخطها بقلمه الجميل تحت عنوان لا أجمل منه (القناديل) وكنت كلما دخلت عليه مرسمه سمعته يغني أغنيته الأثيرة (ضيّ القناديل والشارع الطويل، فكرني يا حبيبي بالموعد الجميل) أغنية عبد الحليم المعروفة. كانت صورة النشرة الرئيسية عبارة عن صفين من الشموع تمتدان حتى نهاية شارع ما، بما يشير إلى اعمدة النور الشمعية، هكذا وبعد اكثر من خمسين عاما على مغادرتي المدرسة مازلت تحت تأثير الانشودة تلك، مخدرا بأفيون صفي الشموع الذائبين على اللوحة، بأغنية حليم وضياء قناديل معلمي الأول صبري الدغمان.  
أسوق الأسطر هذه لكي اجد الكلمات المناسبة في المحاور التي أثيرت حول مشروع البصرة عاصمة للثقافة العربية، القضية التي تحدث عنها وكيل وزارة الثقافة الأقدم السيد طاهر الحمود في زيارته الأخيرة للبصرة مع عدد من مثقفي المدينة، ومع يقيننا بان الوقت مبكر جداً للحديث عن موضوع كهذا إذ أن موعد ترشيح البصرة سيكون بين عامي (2018-2019) إلا ان الفكرة جديرة بالتوقف والانتباه عند جملة طروحات من أهمها البنى التحتية الثقافية المفقودة تماماً اليوم لا في البصرة حسب إنما في العراق كله، غير أن الحديث الذي جرى عن قرب افتتاح أول دار للسينما في مجمع البصرة تايمز سكوير الكائن في ضاحية الجبيلة يبدو أكثر جدية من ذي قبل، فقد منّى البصريون انفسهم بان مرحلة جديدة قد تحين من عمر مدينتهم التي اكلتها سطوة المليشيات زمنا وقضمت فسحة النور فيها الكتل الدينية المتشددة، وهي المعاناة التي لا تزال علاماتها قائمة غائرة في عميق أرواحهم .
لكن موضوعاً كهذا لا يمكن أن يمر دونما توقف من مسؤول ومثقف محب لمدينته كالسيد الحمود، الذي القى الكرة في ملعب مثقفي المدينة، حين طلب منهم تقديم افكار ومقترحات كاملة لكيفية رؤية مدينتهم عاصمة للثقافة العربية وليس العراقية، وقد لا تكون دار السينما التي ستفتتح نهاية العام هذا نهاية المطالب، لأن المدينة خلو من كل معنى وعنوان للثقافة تقريبا، ولو شئنا الحديث والإفاضة فيه فلن ننتهي عند دار الأوبرا وقصر الثقافة ومنتدى المسرح والعناية بالدور التراثية والمتحف البصري ومسجد سيدنا الزبير التاريخي ومقبرة الحسن البصري وبيوت آل النقيب ومكتبة باش أعيان ومنازل أثرياء القرن التاسع عشر الميلادي وبساتين ابي الخصيب وشط العرب وبر البرجسية وميناء الفاو والهور وووو .
لكني توقفت ثانية عند الخبر المنشور في موقع رسمي يتحدث عن سينما البصرة تايمز سكوير الذي سيفتتح نهاية العام هذا، حيث يقول بان إدارة المجمع ستسلم دار السينما إلى جهة فنية متخصصة مع مراعاة طبيعة المجتمع الاخلاقية والدينية والاجتماعية ولأن فهمنا لعبارات كهذه لا يخرج عن مفهوم الآداب العامة وبما معناه مصادرة حقنا في الحرية، فالخشية قائمة أبداً وأبداً . هي منظومة تأسست في خيال التجمعات الدينية المتشددة التي لا تفهم ماذا يعني وجود 50 دارا للسينما في البصرة مثلا او 50 مسرحاً او 100 فرقة موسيقية ، أو عشرة آلاف كمان بيد عشرة آلاف عازف أو أن يصبح مشهد الخروج من دار السينما مشهداً تقليدياً مليونيا بعد انتهاء كل عرض، هكذا يمكنني أن اتصور البصرة عاصمة للثقافة العربية، ذلك لأن من يريد أن يمنّي الناس بأحلام كبيرة عليه ان يذهب الى أقصى الشوط لأن الثقافة والفنون والآداب بما فيها الموسيقى والغناء وسواها، امتعةٌ لذيذةٌ لا تقبل الفساد والتشدد، وهي مُرّةٌ لا تلوكها اسنان المليشيات والإرهاب. وبها تضع الحكومات حدوداً نهائية للموت والخراب والتخلف. ومنها تنطلق لآفاق العلم والمعرفة والخلود.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram