حين شوّهت صورة زميلتي الجميلة

ستار كاووش 2014/01/24 09:01:00 م

حين شوّهت صورة زميلتي الجميلة

يافطة مثيرة وضعت في مدخل معرض الفنان ماكس ليبرمان الذي شاهدته في متحف درينته وقد كتب عليها كلمات لحوار قصير دار بين الرسام وامرأة أرستقراطية أرادت منه أن يرسم لها بورتريتاً . المرأة تسأله أو تطلب منه (سيد ليبرمان ، أريد منك أن ترسم لي بورتريتاً جميلاً جداً ، يشبهني ) عندها قال لها ليبرمان (سيدتي ، هذا لا يمكن أبداً ، فعليك أن تختاري ، إما أن يكون البورتريت جميلاً أو أن يشبهك ) . ليبرمان ( 1847 – 1935 ) يعتبر أحد رواد حداثة الرسم في القرن العشرين ، الذي عرف بلوحاته التي صور فيها الساحات والحدائق والأمكنة المليئة ببقع الضوء الملون ، هو الرسام الذي غيّر نظرة الناس إلى الرسم في ألمانيا في ذلك الوقت ، وكان قد ارتبط بصداقات كثيرة ومهمة مع مجموعة من الرسامين الهولنديين وخاصة رسامي مدرسة لاهاي ، الذين ألهمهم واستلهم منهم الكثير . إن ما قاله هذا الرسام لتلك المرأة ، هو فحوى الرسم فعلاً ، فبكلمات قليلة اختصر صاحب ( بائع الببغاوات ) كل كمال الرسم ورفعته ، كذلك أعطى لحضور الرسام ورؤيته الاعتبار أمام أشخاص ربما يملكون المال ، لكن تنقصهم الذائقة الجمالية . الرسم في جوهره هو وجهة نظر الرسام وطريقة تفكيره وليس للموديل أو النموذج أي دخل في العملية الإبداعية ، ألم يفعل ذلك مودلياني مع النساء اللواتي رسمهن برقاب طويلة وعيون لوزية وأكتاف مسترخية ؟ وحتى حين أراد ريبين أن يرسم تولستوي أخضعه إلى معاييره الفنية وعجائن ألوانه الكثيفة . وهنا لا يمكننا أيضاً أن نبتعد كثيراً عن ردّ فعل ( أفضل ملوني القرن العشرين ) هنري ماتيس ، حين اعترض عليه أحد الحاضرين وهو يرسم موديلاً لامرأة بقوله إن الرسم لا يشبه المرأة التي أمامه ، عندها قال له ماتيس ( هذه التي تظهر على القماشة ليست امرأة ، بل لوحة ) .
تبقى العلاقة دائماً بين الرسام والموديل أو الناس الذين يتعاملون مع أعماله علاقة تحكمها طريقة رؤية كل منهما إلى الرسم ، فالفنان يريد دائماً أن يعبّر عما يراه ويشعر به من خلال الأشكال والخطوط واللون ودرجاته ، يعكس رؤيته وطريقة تفكيره والزاوية التي ينظر من خلالها إلى الأشياء وما يراه يناسب قطعة القماش التي يرسم عليها . ما تبقى من الناس ، وبما أنهم يملكون المال في الغالب فهم يريدون أن يحصلوا على ما يعتقدون ،إنه يناسب لون الأريكة أو الحائط أو يتناغم مع زخرفة السجاد ( وهذا ممكن ، لكن بحدود معينة ) ، وهنا يبدأ شيء من الصراع بين من يفكر وينتح وبين من يدفع ، وإلى هذا اليوم لم يتخلص الرسم من هذه المسألة ، لأنه يمكن شراءه ودفع ثمنه (وهذا ما أعطاه شعبية أكثر من فنون أخرى ) ، وهو بذلك لا يشبه الشعر أو الموسيقى على سبيل المثال ، فالناس مع الرسم تحصل على القطعة الفريدة والوحيدة التي قام بصنعها الفنان ولامسها بأصابعه ، وهو فن يشغل الفراغ ويعلق على جدار وفيه أشكال وخطوط يمكن رؤيتها كل لحظة وتؤثر على الإنسان بصرياً .
أتذكر الآن التخطيط الذي رسمته لصديق شاعر أواسط الثمانينات ، وكيف وصف شاعر آخر هذا التخطيط بأنه يشبه الكلب ، واضح هنا انه لم يطلع على أعمال فان كوخ والتعبيريين الألمان . أو الموديل الذي رسمته وقتها لأحدى زميلاتي الجميلات في أكاديمية الفنون ، وكنت حينها متأثراً بمودلياني والتعبيريين ، وبعد أن قضيت ساعتين في الرسم ، نزلت هي من على منصة الموديل ونظرت إلى العمل وهي مرعوبة مما رأت وخرجت مسرعة تبكي قرب السياج المؤدي إلى الحديقة ، لأنها اعتقدت بأني شوهت صورتها الجميلة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top