اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > الرأي > الفتاة التي أرضعت أباها كي تنقذه من الموت!

الفتاة التي أرضعت أباها كي تنقذه من الموت!

نشر في: 31 يناير, 2014: 09:01 م

كثير من زوار متحف رايكس ميوزيام في أمستردام يفاجأون ويعلنون استهجانهم مباشرة عند رؤيتهم لوحة ( سيمون وبيرو ) التي رسمها روبنز سنة 1630 ( هناك لوحة أخرى رسمها روبنز حول نفس الموضوع سنة 1612 موجودة في متحف الهارميتاج ، روسيا ) ، أمام هذا العمل الفني ، يهتاج الناس في الغالب قبل معرفة خلفية الموضوع أو الإحاطة بتفاصيله الكاملة . في هذه اللوحة التي تظهر فيها فتاة في ريعان الشباب وهي ترضع من صدرها رجلا كبير السن ، نرى بشكل واضح موضوعا غريبا ،ويبدو غير لائق أيضاً ، وعندما نبحث عن بعض المعلومات التي تتعلق بهاتين الشخصيتين ، ونعرف أن هذه الفتاة الجميلة كانت ترضع أباها ، نصاب بالذهول أكثر . لكن حين نتعمق بكل تفاصيل القصة ، نعرف الحقيقة الكاملة والمدهشة لما حدث ، ونفهم لماذا قام برسم هذا الحكاية أو الحدث عشرات الرسامين من مختلف العصور . سيمون هو والد بيرو ، وقد حكم عليه الرومان بالسجن الدائم ومنعوا عنه الطعام والشراب حتى الموت . كانت بيرو تأتي لزيارته بعد أن سمح لها الحراس بذلك ، وقد كانت حاملاً في ذلك الوقت وبانتظار طفلها الأول . هكذا كانت تزور أباها وهو مقيد في السجن ، بانتظار الموت ولا يستطيع الحركة ، وترضعه من صدرها في غفلة من السجانين الذين لم يتوقعوا حدوث ذلك (يقال كذلك بأنهم كانوا متواطئين معها )، وهذا ما أظهرته بعض اللوحات أيضاً . فعلت بيرو ذلك وهي تبحث في نفس الوقت عن أدلة براءة أبيها ، وهكذا أبقته على قيد الحياة ، حتى أثبتت براءته وخرج من سجنه المظلم . وقد ذكر المؤرخ الروماني القديم فاليريوس مكسيموس حكاية سيمون وبيرو ، وقد وصفها كمثال كبير على العناية بالوالدين بكل السبل المتاحة والممكنة . وأيضاً أعتبرها الرومان شيئاً مشرفاً لتاريخهم .
هل هناك أعظم أو أكثر تشويقاً بالنسبة للرسامين من موضوع كهذا ؟ لقد رسم سيمون وبيرو الكثير من الرسامين الكلاسيكيين ، أغلبهم من فناني القرنين السابع عشر والثامن عشر ، مثل كارافاجيو ، روبنز ، جارلس ميلين ، جوهان زوفاني ، ديرك فان بابورن ، يان يانسنز ، جين غروز وآخرين غيرهم . هنا نرى كيف تعامل رسامون عديدون مع موضوع واحد . ورغم ان كلاً منهم قد نظر إلى الحكاية من زاويته ورؤيته الشخصية ، لكن تبقى وضعية الشخصيتين وحركتهما هي الأساس الذي يعطي الفرادة والتميز لكل رسام من هؤلاء. وهنا نتخيّل الرسامين وهم يجاهدون في جمع التفاصيل التي تساعدهم على تكوين المشهد . هم لديهم الحدث والشخصيتان الرئيسيتان ، ثم المكان الذي هو معبد بيتاس القديم ، وفي داخل المعبد زنزانة مقفلة وحراس أشداء . وهنا ليس مفاجئاً اختيار أغلب الرسامين الذين تناولوا هذا الموضوع ، اللون الأحمر لرداء الأب أو الفتاة ، لإعطاء حرارة إلى المشهد وسط عتمة السجن . كذلك النافذة أو الكوة التي في الزنزانة وشكلها المقوس من الأعلى دليلاً على الطراز الذي كان يستخدم في ذلك الوقت ، وهناك نظرة الفتاة الحائرة التي تتوجس من الحراس أو تنظر بذهول وإصرار إلى المجهول الغامض الذي يشبه عتمة الزنزانة ومستقبل أبيها المظلم .
بقي هذا الموضوع مثيراً ويجذب الرسامين كما ذكرت . وما دعاني للكتابة عن ذلك هو رؤيتي للوحة جديدة للرسام الروسي الموهوب ماكس ساوكو ( ولد 1969 في مدينة أركوتسك ) الذي رسم عملاً مدهشاً حول هذا الموضوع ، ضمن لوحاته الجديدة ( 2013 ) معيداً أمجاد روبنز وكارافاجيو وباقي الرسامين العباقرة ، هذا الفنان المتمكن من أدواته رسم الموضوع بواقعيته المليئة بالسحر والغرابة ، حيث نظرات بيرو الشاخصة وكأنها تنظر إلى عين الرسام نفسه بإصرار وهي تفكر بإنقاذ أبيها الذي تعرض إلى كل هذه القسوة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

!!العمود الثامن: وثيقةعالية نصيف

 علي حسين كنت أتمنى أن لا أعود إلى الكتابة عن النائبة عالية نصيف ، لكن ماذا أفعل ياسادة والسيدة النائبة خرجت علينا مؤخراً لتتقمص شخصية الفنان الراحل توفيق الدقن وهو يردد لازمته الشهيرة...
علي حسين

باليت المدى: الأمل الأخير

 ستار كاووش كان مروري في الشارع الأخضر بمدينتي القديمة كافياً لإعادتي لتلك الأيام البعيدة، فها أنا بعد هذه السنوات الطويلة أقف بمحاذاة المقهى القديمة التي كنتُ أرتادها صحبة أصدقائي. مازالت رابضة في مكانها...
ستار كاووش

قناديل: لقطات!

 لطفية الدليمي لقطة أولى بعد أيام قلائل من 9 نيسان 2003 خرج أحد العراقيين ليبحث عن فرن صمون يبتاع منه بعض ما يقيتُ به عائلته في تلك الايام المشحونة بالفوضى والخراب.
لطفية الدليمي

قناطر: الأمل.. جرعة المورفين التي لا تدوم طويلاً

طالب عبد العزيز أولئك الذين يأكل أرواحَهم الاملُ ما اشفق الرَّبُّ عليهم! وما الطفه بهم، وإن لا يبدو الاملُ متحققاً في المدى القريب. تلتقط الكاميرا على الجادة بفلسطين وجه شيخ، طاعنَ السنوات كثيراً، أشيبَ...
طالب عبد العزيز
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram