ذئب وول ستريت.. سكورسيزي مرّة أخرى

علاء المفرجي 2014/02/05 09:01:00 م

ذئب وول ستريت.. سكورسيزي مرّة أخرى

جمهور السينما كما نقادها ينتظرون في كل مرة  بلهفة جديد مخرج من قامة الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي ، فعلى مدى اكثر من أربعة عقود من الزمن قدم هذا المخرج الاستثنائي ما يمكن اعتباره علامات شاخصة في تاريخ السينما ، ودارس سيرة سكورسيزي الإبداعية لا يمكن له إلا ان يشير إلى تميز سينماه وغناها الفكري، فضلا عن ثراها الجمالي الذي لا يمكن ان تخطئه عين.
فالمخرج الذي راهن على الاختلاف في الموضوع وأسلوب المعالجة في كل ما انجزه خلال مسيرته، قدم أفكارا مبتكرة وموضوعات أخضعها لأسلوبه المتفرد الذي جعل منه احد اهم مخرجي السينما الأمريكية الآن .
في فيلمه الجديد «ذئب وول ستريت» الذاهب بقوة إلى منافسات الأوسكار هذا الموسم يعود إلى مجاله الذي يحب ، إلى حيث عالم المال وجنونه وأسراره ، والذي قدم جوانب منه في أفلام مثل (كازينو)، و(أولاد طيبون).. حيث برع في رسم ملامح هذا العالم المليء بالتواطؤات والخيانات وأيضا القسوة واللاآدمية ، كما انه تجربة جديدة في أفلام السيرة لهذا المخرج الكبير بعد أن قدمها في غير فيلم له  لعلّ الأهم منها فيلم (الثور الهائج) الذي يتناول السيرة الذاتية للملاكم جاك لاموتا ، والفيلم الآخر هو (الطيار) وهو السيرة الذاتية  للمليونير الأمريكي هوارد هيوز.أحد رواد الطيران الذي يرث شركة أبيه المتخصصة في إنتاج معدات خاصة بالصناعة البترولية.. حيث يسلط الفيلم سيرته منذ شبابه الأول.
في فيلمه هذا يستعين بممثله المفضل ألان ليوناردو ديكابريو الذي أداره ليجسد شخصية هيوز في (الطيار) ،لكنه هنا يجسد شخصية جوردان بيلفورت الذي اعتمد الفيلم مذكراته الشخصية التي يدون فيها الطريقة التي سلكها في جمع ثروة طائلة عن طريق آل"بويلر روم" . وهي المكاتب غير المجازة  التي يقوم فيها الوسطاء بالاتصال بالعملاء بهدف إقناعهم بالاستثمار في أسهم رخيصة الثمن .
الفيلم يحكي قصة الصعود الملفت لجوردان بيلفورت ثم سقوطه المدوي  مستعرضا جوانب هذا العالم المجنون ،عالم الرأسمالية خلال العقود الثلاث الأخيرة .. نتعرف على علاقة بيلفورت بالمباحث الفيدرالية، والسعي إلى تجنيده .. والفيلم ملخص للمذكرات ولكن على طريقة سكورسيزي في سحب الموضوع لرؤاه وأسلوبه الخاص، بداية تقليدية للأحداث  حيث بداية الصعود لذئب المال هذا  وتحوله إلى الصفوة من رجالات المال، ثم نهايته وتقديمه للمحاكمة نهاية تسعينات القرن المنصرم بالعديد من التهم ليس أقلها غسل الأموال والاتجار بالمخدرات ثم سجنه لثلاثة أعوام.
التفاف عبقري على تقليدية سرد المذكرات هو ما قام به سكورسيزي في فيلمه هذا .. فعلى مدى زمن الفيلم ينسج لنا حياة هذا الذئب الذي يتجلى لنا من الأناقة والوسامة التي يتمتع بها، شرسا لا يتوانى عن ممارسة الخداع وخيانة حتى العاملين معه ، بفضل الأداء المبهر لكابريو الذي صار يضيف عبقرية مضافة في كل جديد له .. كابريو هنا بإدارة داهية مثل سكورسيزي يبرع لا في تجسيد شخصية بيلفورت كما رسمتها مذكراتها ، بل استعراض عفونة عالم أراد له صانعوه أن يزدهر بالاحتيال والخديعة.
ذئب وول ستريت يذهب هذه المرة  بقوة بسكورسيزي وكابريو لقطف ثمار إبداعهما في فيلم أقل مايقال عنه أنموذجا للجمال والصنعة السينمائية المتقنة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top