قصتي مع السيبرنطيقا..حبات اللؤلؤ

قصتي مع السيبرنطيقا..حبات اللؤلؤ

(3)

أعرف نفسك؟ عبارة رددها (سقراط) للتعريف بالفرد وتحفيزه على طلب المعرفة لكل ما حوله من أمور وحالات تستدعي منه الاهتمام والفهم، وليس شرطا أن تكون إنسانا في بعدك البيولوجي حتى تمشي في الأرض مرحا ، بل لا بد من تفعيل دور الفكر الذي يميزك في ربط وجود الإنسان بقدرته على التفكير ، أو ما عبر عنه ديكارت في عبارته المشهورة "أنا أفكر إذن أنا موجود " والحس الإبداعي لدى المفكر ليس بالأمر الهين ولا هو وصفة جاهزة نستدل عليه لدى العطار بل هو مران طويل وتحويل لما هو هامشي وطارئ في وجود الإنسان إلى سؤال حيوي يقلب معادلة ما نعرفه – بحكم العرف –  رأسا على عقب، والدليل على ذلك، تطور الإنسان وأفكاره عبر العصور، إذ لو كانت أفكار الإنسان ثابتة وغير متحركة، لبقي الإنسان أسير حاضره وانغلقت أمامه نافذة المستقبل، لذلك نظرة تأمل عميقة من حولنا تعطي دليل على عدم بقاء الإنسان على صورته الأولى  بل هو تطور خلاق يبين حجم الانجاز الكبير الذي أوجده الكائن البشري، ولنا مع العلم صولات وجولات من تسخير الأرض وما فيها لخدمة الإنسان بشرط الحركة الفكرية الصادقة التي تنطلق من حاجتنا الماسة التي تدفعنا إلى تغيير ما حولنا من محيطنا الخاص /الذات  إلى العام/ المجتمع من جهة أخرى.

وتبني المنهج السيبرنطيقي في معالجة خبرة التمثيل المسرحي وعلى وفق فرضية اتصالية، يعد تثويرا للعقل الساكن أو الأفقي في تأويله للوقائع والأشياء، لأنه ليس بالأمر الهين الخوض في هذا الموضوع – في التسعينات من القرن الماضي -  بسبب قلة أو انعدام المصادر في ذلك الوقت وغياب شبكة الانترنت التي تقلل من الجهد في البحث عن المصادر ، الأمر الذي تطلب مني جهدا تفكيريا عاليا، وهو يتابع الإطار العملي والوظيفي لعلم السيبرنطيقا وتطبيقاته المجاورة في الإعلام أو علم الاجتماع أو الأتمتة أو نظرية المعلومات وما يمكن أن يتوافق مع فن التمثيل الذي يعد خبرة سلوكية قابلة للضبط. الأمر الذي يتطلب متابعة النظام العام المحيط بالممثل والمحدد لنمط الأداء التمثيلي.

    والنظام في اللغة "الخيط الذي ينتظم به اللؤلؤ" واصطلاحا يعرف "ترتيب معين من أشياء مرتبطة ارتباطا وثيقا إلى حد أنها  تؤلف وحدة واحدة أو كيان عضوي" ويغرف "مجموعة  قوانين  تصنف أو ترتب بشكل متسلسل كلي ، تبين خطة ما أو ترتيب منطقي" بغية الوصول إلى الأداء التمثيلي ذي التوجه السيبرنطيقي، يتطلب معرفة النظام المسرحي الضابط، والذي يحدد بأنه مجموعة الممكنات الموقفية التي يشتمل عليها التمثيل المسرحي  بوصفه "فعلا اجتماعيا بين الممثلين، أو العلاقة بين شخصين أو أكثر بينهما تقسيم للعمل" أو بأن الفعل الاجتماعي مثلما يراه ((جورج هربرت ميد)) "أي نشاط موجه نحو هدف ما، يصدر عن شخص أو مجموعة أشخاص" ولهذا الفعل محددات ضبطية أو عناصر ضبطية هي كالآتي:

1-القيم: وهي الأهداف العامة والشاملة التي تساعد على توجيه السلوك التمثيلي.

2-المعايير: وهي الضوابط أو القواعد المحددة للسلوك التمثيلي والتي تكون نموذجا رئيسا يتحكم في أساليب الوصول إلى الأهداف .(القيم).

3- التنظيمات والأدوار: أي تحريك الطاقة الفردية (الممثل) للوصول إلى الأهداف الأدائية بإطار معياري، فإذا ما حسبنا الممثل المسرحي فاعلا، فلا بد أن نسأل عن كيفية عمله، وإذا انتقل عمله داخل النسق الاجتماعي (التنظيم) فإننا نتساءل عن كيفية تنظيم الممثل دوره في النسق الاجتماعي على خشبة المسرح؟

4- الممكنات الموقفية: وهي تساعد الممثل في اتخاذها وسائل يتعامل بوساطتها مع المحيط المسرحي بوساطة الأدوار والمهارات المستعملة فيه.

ويلاحظ أن الاتصال داخل النسق التمثيلي/ الاجتماعي يرتبط بمفهوم (العملية) التي هي تغير مستمر لأي ظاهرة خلال زمن معين. والاتصال بين الممثلين يمتاز بالحركة المتبادلة بينهم يراد منها الوصول إلى إشباع حاجة التنظيم المسرحي الذي يسعى إليه العرض المسرحي. والواقع أن هذه العملية لا تأخذ صفة الاستمرار والفاعلية والتأثير إلا بوجود وقود يساعد على باشتغالها بشكل مستقر، ويقصد بالوقود (المعلومات) التي تتضح اعتمادا على مبدأ "إن من يمتلك المعلومات هو الأقوى" وقوة المعلومات التي يمتلكها الممثل تعني المساعدة على إيجاد العلاقة الايجابية المنتجة بين الممثل والآخر أو بينه وبين البيئة المسرحية المحيطة. فالرموز والمعلومات هي جسد الرسالة الذي ينتقل عبر قناة مناسبة لنوعية الاتصال بين المرسل والمستقبل بشكل يصنع دائرة اتصال فاعلة بين المرسل والمستقبل وبشكل عام تتجه هذه الفاعلية إلى تحقيق فائدتين هما: الفائدة الداخلية استرخاء/ تركيز والفائدة الخارجية، أي باتصال الممثلين بعضهم ببعض وما يحيط بهم على حد سواء..

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top