الصراع بين الوظيفة والجمال في مسرحية (الديك النشيط)

الصراع بين الوظيفة والجمال في مسرحية (الديك النشيط)

"أنا طفل
الدنيا كلها في انتظار مجيئي
العالم يحبس أنفاسه ليعرف من أكون
مصير الحضارة على كفة ميزان
فعالم الغد رهن بغدي أنا "
لا ريب في أن المسرح معني إلى درجة كبيرة بتنمية خيال الطفل وتطوير معارفه وعلومه وبناء شخصيته وتهيئتة ليكون في المستقبل مبدعاً ومبتكراً وقادراً على مواجهة الواقع والتخطيط من أجل حاضره ومستقبله، ويؤكد المبدأ السابع من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام (1959):" لكل طفل حق التعليم، الذي يتعين ان يكون مجانيا اجباريا في المرحلة الابتدائية على الأقل، كما ان له ان ينتفع بمنهج تربوي يسهم في ثقافته العامة ، ويتيح له في اطار من تكافؤ الفرص أن ينمي ملكاته وان ينضج حكمه الشخصي على الأمور، ويسمو بالمسؤولية الأدبية والاجتماعية...".
شاركت دار ثقافة الأطفال التابعة لوزارة الثقافة /جمهورية العراق في مهرجان مسرح الأطفال الدولي الخامس عشر 2014 والمقام في مدينة (تازة /المملكة المغربية) بمسرحية (الديك النشيط ) من تأليف (محمد علي الخفاجي) وإخراج الفنان (فلاح عبد الستار ). فقد تناول العرض فكرة التعايش السلمي بطريقه جدا بسيطة مستخدما العلاقة الوظيفية بين مجموعه من الحيوانات التي كانت تعيش في بستان و كل حيوان يريد ان يؤدي وظائفه ومهامه في بيئته كما تعّود عليها يوميا، ولكن هناك من يريد ان يفرض سطوته على الآخر بما يملك من ادله وحجج بين ماهو منطقي وماهو غير منطقي او بالقوة او باستخدام القانون لصالحه، وتزداد شدة الاحتدام بين شخصية الكلب (الممثل :عدي فاضل خليل) وظيفته القائمة على الحراسة في البستان، والديك (الممثل : قائد عباس ) ووظيفته المناداة الصباحية لإيقاظ من يعيش في الغابة للذهاب الى العمل من عمال وطلاب وفلاحين، بسب الكلب الذي يعود من الحراسة صباحا والديك الذي يطلق صوته للإيقاظ والذي يزعج الكلب ويجعله لاينام بعد نوبة حراسه ليليه شاقه وهنا تحدث مشكله تقودهما للاحتكام الى الجد (الممثل :عادل جواد ) كونه صاحب العمر والخبرة والتجربة الحياتية وفعلا يتقرر عقد جلسة المحاكمة بطريقه جميلة وبسيطة وقريبة من فكر ومتخيل الطفل ويتم الاعلان عنها والتي تشكلت من الجد والثور والحمار وفي جلسة محكمة أصولية لسماع الحجج والبراهين، وعليه يقرر الجد ومجموعته المتكونة من الثور والحمار ويقوم كل حيوان بطرح حججه ووظيفته واهميتها وبعد جدال من هو الأصوب وبعد سماع الشهود يقررون بناء بيت للكلب خارج القرية كي لايزعجه صوت صياح الديك وتتعاون كل الحيوانات في بناء دار الكلب الجديد ولكن إحساس الكلب بالوحدة والابتعاد عن بيئته يقوده للاعتذار والطلب بالبقاء في البستان والاعتراف بحق الديك ووظيفته بالصياح لإيقاظ الآخرين ويقرر الكلب الاعتذار لأنه لايمكن ان يعيش بعيدا عنهم. وهنا يقرر الديك بحق الكلب بوظيفته وتحل الإشكالية التي طرحتها المسرحية.
استخدم المخرج مفردات ديكورية فيها من بهرجة اللون الكثير مما أوحى للمتلقيين الأطفال حقا انهم يعيشون في غابه او بستان من خلال هيمنة اللون الأخضر على أرضية المسرح فضلا عن استخدام المصاطب والكراسي التي كانت أعقاب أشجار قطعت ووضعت داحل مكانية العرض المسرحي بما زاد من خلق جو الغابة او أوحت لنا المفردات الديكورية عن مكانية حقيقية للأحداث ،ونجد سياج المحكمة استخدمت فيه أغصان بعض الأشجار، فضلا عن الخلفية المرسومة بصوره منحت العرض بعدا تشكيليا ولونيا . باستخدام ابسط المفردات الديكورية بوظيفة جمالية متميزة.
اما الأزياء المستخدمة فكانت دمى ملبوسة لشخصيات ما منح امكانية اخذ كل شخصيه اكثر من دور مع تغيير بسيط في الأداء الصوتي وهذا اقتصاد تقني توفق فيه المخرج الى حد ما (الكلب، الكلبة، الديك، الدجاجة، الثور، البقرة، الدجاجة، النحلة، الخروف، الحمار).
وتخللت العرض بعض الأغاني التي تحاكي فكرة المسرحية لكنها بلهجة عراقية اضيفت لها مفردات مغربيه ما جعل بعض الأطفال يرددون كلمات الأغنية اي حصول حالة الاندماج التي استطاع الممثلون عند تشكيلهم دائرة والرقص مع الايقاع بطريقة تراثيه (الجوبي) التواصل الجمالي والمعرفي مع الطفل عبر الغناء واللعب والتشويق يحقق المساس الحقيقي بعقل الطفل وأحاسيسه وانشداد الطفل والتوجه لجمهور الأطفال لخلق عملية تفاعلية معهم وهذا ما يسجل للعرض بخلق تواصل وإشراك الأطفال والتي تعد من أولويات مسرح الطفل بالاضافه الى اللون والبساطة في طرح الأفكار .
اما الإضاءة فقد كانت فقيره وان هذا الفقر متأت من ان المسرح الذي قدّمت عليه المسرحية هو مسرح مدرسة غير مهيأ لمثل هذه العروض فقد خلقت الإضاءة مكانية بسيطة بالفصل الضوئي الغير مكتمل لونيا ودلاليا .
اما أداء الشخصيات او كما اشير في فولدر العرض (التشخيص ) فقد تنوع بين مشهد واخر، فقد ظهرت جليا الإمكانية الأدائية وتجسيد فعل الشخصية (الممثل: عدي فاضل خليل: الكلب، الفلاح) ،فبرغم ادائه لاكثر من شخصيه فقد تماهت شخصية الكلب بمفردات شكليه وأدائية اكثر من الشخصية الثانية (الفلاح ) من حركات محدده منحته الى حد كبير شكل وفعل الشخصية فضلا عن الاسترخاء الصوتي والادائي،اما شخصية (الديك: قائد عباس) فقد كان ديكا حقيقيا من خلال أزيائه و ادائه فهو يستخدم التلوين الصوتي للديك وإطلاقه لبعض الأصوات بطريقه مغايره لامكانية خلق محاكاة حقيقه و أدائية ووظيفيه للديك ،اما شخصية الدجاجة (الممثله: فاطمه غالب) فمثلت شخصية المرأة المتحكمة في زمام البيت المتسلطة فبرغم كونها دجاجة ومعروف عنها فعلها ووظيفتها الحياتية تتسم بالبساطة لكن كانت هنا وسيلة ضاغطة على الديك في فعل وبناء الحدث المسرحي لترحيل الكلب والتداخل مع المحكمة في خلق مبررات إقامة الدعوى على الكلب ،كما كانت هناك شخصيات ادت بصوره او اخرى وساهمت في إنجاح العمل كشخصية (الثور: اميرعلي رضا) الذي كان هو المحور في عملية المحاكمة وهو الشخصية المنفذة لما يصدر من المحكمة اما شخصية الجد (عادل جواد )، فقد منحه عمره الكبير وملابسه المتمثلة باللباس العربي الشخصية التي تمتلك الخبرة بجعله القاضي في فض هذا النزاع وإقامة المرافعة .في حين الذي يديرها شخصية الثور ، اما شخصية (البقرة : أحلام علي عيدان ) ، فقد تميزت بالتلقائية العالية والحركات المتناغمة مع وظيفتها الحياتية والسيطرة في الإلقاء المتناغم مع الأداء الجسدي ، واما شخصية (الحمار: قيصر عبد الجبار) فكان السبب الرئيس في جرعة الضحك الكبيرة التي كانت على أفواه الاطفال الحاضرين من خلال ما يؤديه بطريقه اصدار الأصوات والنوم اثناء المحاكمة .
نجد ان عملية أنسنة الحيوانات ساعدت على خلق خيال متدفق للمتلقي (الاطفال) من خلال اللون والانسنة واداء الشخصيات ،فالمسرح معني إلى درجة كبيرة بتنمية خيال الطفل وتطوير معارفه وعلومه وبناء شخصيته وتهيئتة ليكون في المستقبل مبدعاً ومبتكراً وهذا ما طرحته مسرحية (الديك النشيط).
كما ان تنوع الأداء للشخصيات كونها شخصيات حيوانيه يقترب من محاكاة الحيوان بحركاته وصوته ووظيفته .
يمكن ان يكون مسرح الأطفال ذلك المسرح الذي يقوم على وظيفته الاجتماعية ومساهمته عن طريق التربية لخلق جيل يقبل بالحوار مع الاخر.
وقد أثبتت الدراسات التي قام بها الكثير من الباحثين في مجال التربية و بناء الطفل جماليا وتربويا و فكريا، وعملية مخاطبة حواس الطفل وعقله بما يسهم كثيرا في عملية غرس القيم و المفاهيم بشكل أنضج، مما لو تم ذلك عن طريق الوعظ و الإرشاد و المناهج الدراسية المجردة والقائمة على التلقين ، إن المسرح عموما و مسرح الطفل بشكل خاص يمتلك الخاصية الفريدة هذه.
وهنا لابد ان نعرج على ما أرادت ان تقوله المسرحية نصا وأداء ان السيطرة في مجتمع ما لا تقوم على التفرد واستخدام التسلط المهيمن كالعرق والدين والطائفة، ولا نبالغ اذا وجدنا انها رفضت الاحتقانات المجتمعية القائمة على هذه المحاور لكن بطريقة تتناغم مع افكار الطفل ، إن صقل إحساس الطفل وإثراء خياله وتنمية وجدانه وتحفيزه على الإبداع والتأمل الخلاق يكون عبر الفن واللعب فمن خلاله نستطيع ان نعرف ان لكل انسان دورا في المجتمع لايمكن ان يؤديه غيره وعند رفضه حتما سيترك فراغا في وظيفته .وهذا ما أراد المخرج(فلاح عبد الستار) فقد استطاع خلق بيئة مسرحيه حقيقيه من خلال خلق تناغمات اللون والزي والاداء بصورة اكدت على الحس الجمالي الذي ينشده المسرح المقدم للطفل.

تعليقات الزوار

  • بااسمة أبو شعبان

    أعجبتني مقدمتك د.إياد، وأحسب انها عبارة مأهوذة من النص وإن كنت لم تنوه لذلك، وحقيقةً شعرت بأنني شاعدت العرض وفي مناخ مغاربي ايضا، وذلك بتأثير عرضك النقدي المستوفى... دمت دكتور اياد

  • الحسين العوادي

    دكتور اياد السلامي احد عمالقه بابل ولنا الشرف ان يكون من مدينتنا وهذا فخر لنا تحياتي لك ايها الاب الحنون كل ما مر بك الزمان كل ما ابدعت مبارك للبابل وجودك فيها

  • أ.د سيد علي إسماعيل

    تحليل رائع يا صديقي د.إياد .. فقد قرأت تفاصيل عباراتك وشعرت بأنني أمام العرض بالفعل!! فقد تفاعلت مع الأزياء والألوان والشخصيات والإضاءة وكأن العرض يتم الآن .. فأشكرك على العرض التحليلي الراقي. كما أن وقفاتك النقدية كانت مناسبة للأحوال الاجتماعية الآن، حيث

  • سوسن أحمد

    الفن بوابة كل إبداع وخلق , الهدف منه إعمال الفكر في الفكر د. إياد : لمزيد من العطاء المثمر

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top