كتاب رئيس اتحاد أدباء روسيا غانيتشيف.. الكلمة، الكاتب، الوطن

كتاب رئيس اتحاد أدباء روسيا غانيتشيف.. الكلمة، الكاتب، الوطن

حصلت على هذا الكتاب الفخم والرائع والجميل , والذي يقع بـ 600 صفحة من القطع الكبير أثناء مشاركتي في أعمال المكتب الدائم لاتحاد أدباء آسيا وأفريقيا , الذي انعقد في شهر سبتمبر/ أيلول 2014 في موسكو بضيافة اتحاد أدباء روسيا, اذ قدٌم الباحث والناقد الأدبي فاليري نيقولايفتش غانيتشيف رئيس اتحاد أدباء روسيا ( منذ عام 1994 ولحد الآن ) عدة نسخ من كتابه هذا الصادر عام 2013 هدية الى المشاركين في تلك الجلسة. وقد حرصت بالطبع على الحصول على نسخة من ذلك الكتاب, لأني كنت أعرف مسبقا ان الحاضرين سيأخذون نسخهم مجاملة ليس إلا لأنهم لا يعرفون اللغة الروسية , وانهم سيضطرون لتركها في الفندق عند العودة الى بلدانهم بالطائرة لان الكتب (ثقيلة الوزن!) كما هو معروف في كل المؤتمرات الأدبية والاجتماعات الكبيرة وفي كل بلدان العالم تقريبا , وأظن ان القراء يتفقون معي بشأن هذه الملاحظة العامة والمتكررة والمؤسفة طبعا.
وهكذا حملت معي هذه النسخة من الكتاب بكل حرص واهتمام و حب الى بيتي , واطلعت بعدئذ على مضمونه بشكل دقيق وعميق وبدأت أؤشر بقلم الرصاص – وكعادتي – على هذا الجزء او ذاك من كل فصل من هذا المصدر المهم من مصادر دراسة الأدب والتاريخ الروسي وذلك للاستفادة منها في بحوثي ومقالاتي في الأدب الروسي وترجماتي اللاحقة حول هذا الأدب وظواهره وخصائصه وأعلامه , وسوف استخدم بلا شك هذا المصدر الكبير والمهم لاحقا , و لكني أود في هذه المقالة ان استعرض للقارئ العربي هذا الكتاب وأتصفحه سوية معه , أولا لأهميته وقيمته الكبيرة في مسيرة الأدب الروسي وأعلامه , وثانيا لان كتابات غانيتشيف ودراساته الأدبية والتاريخية غير معروفة بشكل عام لهذا القارئ مع الأسف .
عنوان الكتاب كما اشرنا أعلاه هو - ( الكلمة / الكاتب / الوطن ) , وكل كلمة من هذه الكلمات تقف على غلاف الكتاب في سطر منفصل كليا وتحتها خط , ولهذا فاني قمت بكتابتها هنا ليس عبر الفوارز او النقاط وانما عبر الخط المائل هذا , والعنوان – كما هو واضح - بحد ذاته متميز فعلا , ويثير القارئ بلا شك , لأنه لا يستطيع ان يسبر غوره او ان يعرف عن أي شيء يدور الحديث على صفحات هذا الكتاب الضخم , رغم انه يفهم ان الكتاب هذا يتناول بشكل عام شؤون الأدب والأدباء وعلاقتهم بالوطن . مقدمة الكتاب جاءت بقلم الكاتب الروسي الكبير فالنتين راسبوتين وعنوانها – القلب لا يخطئ , وهي كلمة جميلة وعميقة والتي وصف فيها غانيتشيف بـ – ( الكاتب والمؤرخ العالم والشخصية الاجتماعية بكل ما في هذه الكلمات من معان والحامي لتراث الوطن الروحي والمتأمل في أعماقه) . يتضمن الكتاب أربعة فصول, وفي كل فصل مجموعة كبيرة من المقالات , ويبتدئ غانيتشيف في الفصل الاول والذي جاء بعنوان ( أبناء وطني العظماء ) – وليس من باب الصدفة أبدا – بنشر كلمته في الذكرى المئوية الثانية لميلاد شاعر روسيا الكبير بوشكين , والتي القاها في الاحتفالات التي جرت في مدينة ميخايلوفسكي في 6 حزيران / يونيو عام 1999 , والتي جاء فيها – ( ... بوشكين – هو روح روسيا ..بوشكين – هو الفرح والضياء .. بوشكين – هو إنقاذنا .. وها هو ذا اليوم يدعونا جميعا ان نتوحد باسم الحب , باسم الوطن...بوشكين – هو رب الأدب ..في البدء كانت الكلمة , والكلمة هي الرب ...) , ثم نقرأ مقالات اخرى في هذا الفصل الاول من الكتاب عن تورغينيف بعنوان – ( عبقرية العشق ), وعن غوغول بعنوان – ( غوغول يوحد الشعوب ), وعن تولستوي بعنوان – (عبقري الكلمة والفكر والبحث ), وعن الشاعر فيت بعنوان – ( صوت روسيا الموسيقيٌ ) ولا يمكن تلخيص هذه المقالات بعدة كلمات بتاتا , ثم نقرأ كلمته التي القاها بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد يسينين بعنوان – ( امنحوني وطني ) , وهو مقطع من قصيدة مشهورة للشاعر الكبير يسينين نفسه, والتي يكتب فيها ما يأتي -
اترك الوطن
وعش في الجنة,
وأقول انا – لا أريد الجنة
امنحوني الوطن..
وهناك مقالات اخرى عن أدباء روس كبار مثل دستويفسكي و شولوخوف وحتى بعض الأدباء المعاصرين في القرن العشرين مثل ليونوف وتفاردوفسكي, وهذه المقالات كلها – من وجهة نظرنا – تستحق , بل تتطلب حتما الترجمة الى العربية لأنها ترسم بالكلمات صورا قلمية جميلة وعميقة عن كل واحد من هؤلاء الأدباء العظام وتحمل في طياتها رأيا معاصرا جديدا وروحية وجمالية مدهشة لا نجدها عند الباحثين الآخرين , وبالتالي تضيف الى القارئ العربي معلومات جديدة ومهمة نوعيا حول هؤلاء الأدباء وحول مجمل الأدب الروسي وسماته طبعا . ينتقل الكاتب في الفصل الثاني من كتابه الى التاريخ الروسي وارتباطه بالأدب , وهناك نجد مجموعة من المقالات التي تتناول بعض الأدباء من القرن الثامن عشر بالأساس وصولا الى القرن العشرين , والذين يرتبطون بأحداث تاريخية في مسيرة الأدب الروسي , بما فيها مثلا , موقف لجنة جائزة نوبل للآداب تجاه الأدباء الروس , والتي تبين ان نوبل نفسه أوصى بمنحها الى تولستوي وكيف ان الكاتب الروسي الكبير , الذي كان من المفروض ان يكون عام 1897 أول أديب في العالم حاصل على هذه الجائزة , كتب رسالة مفتوحة الى احدى الصحف السويدية راجيا عدم منحه هذه الجائزة , و تكرر ترشيح تولستوي للجائزة عام 1906 , وقد اتصل تولستوي بأحد معارفه بالعاصمة السويدية وطلب منه إعلام اللجنة بعدم رغبته بالحصول على الجائزة والا فانه سيكون مضطرا لرفضها علنا , ومن المعروف ان تولستوي كان يريد في تلك الفترة ان يرفض حتى ثروته وملكيته الشخصية .اما الفصل الثالث من ذلك الكتاب فانه مكرس لإخوانه وزملائه ورفاقه من الأدباء الروس المعاصرين له ومعظمهم – مع الأسف – غير معروفين للقارئ العربي المعاصر تقريبا رغم انهم أدباء كبار في روسيا اليوم , ويعد هذا الفصل في غاية الأهمية من وجهة نظرنا لأنه يتناول هؤلاء الأعلام في روسيا ولكن القراء العرب – مع ذلك – لا يعرفون عنهم حتى المعلومات الأساسية , وهذا بالطبع دليل عدم متابعتنا المعيبة – وأقولها بألم ومرارة - لمسيرة الآداب العالمية بشكل عام والأدب الروسي اليوم بشكل خاص , ونحن – وهذه طبعا وجهة نظرنا الشخصية المتواضعة - نعد هذا الفصل من اهم الفصول في هذا الكتاب ونعتقد جازمين انه يستحق الترجمة , بل ويقتضي علينا – نحن العرب – ان نترجمه الى العربية كي نتعرف ولو قليلا على أدباء وفنانين روس كبار مثل راسبوتين وغلازونوف وميخالكوف واليكسييف وسوفرونوف وباندرتشوك وكراسنوف واسماء أعلام معاصرين ومثقفين كبار في الساحة الروسية في القرن العشرين وفي الوقت الحاضر الان من القرن الحادي والعشرين . اما الفصل الرابع والأخير في هذا الكتاب فانه جاء بعنوان – (عند أدباء روسيا ) , ويضم تلك الكلمات التي القاها غانيتشف عند منح الأدباء الروس لميداليات و أوسمة التكريم او الكلمات التي ساهم بها أثناء لقاءات اتحاد أدباء روسيا مع اتحاد أدباء بيلاروسيا ( روسيا البيضاء ) واوكرانيا او في مؤتمر شعوب روسيا الذي تم عقده في مدينة غروزني الشيشانية ...الخ , والتي تؤكد على الروحية المتعددة القوميات والمنسجمة لتلك الشعوب المختلفة التي تحيا معا في اطار روسيا الاتحادية – البلاد المتعددة القوميات تاريخيا في كيان دولتها العتيدة الاتحادية الواحدة , والتي يجب علينا – نحن العرب بشكل عام والعراقيين بشكل خاص - ان ننظر اليها كما هي فعلا ونتقٌبلها ونعترف بتعايش القوميات العديدة معا فيها وبنجاح تجربتها في هذا المجال , ونأخذ منها مثلا حيويا وواقعيا في حياتنا , والذي نحتاجه جدا اليوم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top