حرب المصالح

آراء وأفكار 2015/10/07 12:01:00 ص

حرب المصالح

بعد نهاية حقبة الدكتاتورية عام 2003 في العراق وبعد أن كنا كشعب نعيش خيال الخلاص من تلك الحقبة، بقي الأمل يساورنا أننا سنلمس تجسيد قيام نظام سياسي جديد قائم على أساس احترام حقوق الإنسان والمواطنة، ولم يكن يدور في ذاكرتنا أن خيالنا كان جامحا وأن التجربة الجديدة ستصطدم بالكثير من العقبات، ولم نكن ندرك أننا سنواجه خصوما كثر لا يسمحون لنا بالتنعم بالتجربة الجديدة المسماة الديمقراطية في ظل الاحتلال، وتفاجأنا بسيل من الأعداء في قائمة طويلة مخيفة، وهؤلاء الأعداء مصنفين خارجيين وداخليين فعلى مستوى الداخل ثمة أعداء كثر هم امتداد لحقبة الدكتاتورية ساهموا في مشروع تخريب التجربة، وعلى مستوى الخارج وخلف الكواليس كأن دول الجوار تتآمر معا لوأد أية تجربة سياسية في العراق تشبه تجارب الدول المتمدنة، وعلى المستوى الدولي تخطط الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الغرب لما يحقق مصالحها في العراق والمنطقة بعيدا عن دعم التجربة الجديدة في العراق، فهي تتظاهر دجلا ونفاقا أنها راعية الديمقراطية الجديدة في العراق، فلو كانت جادة وصادقة لضغطت على الدول الحليفة لها في المنطقة ومنها تركيا وقطر والسعودية لكي تتوقف عن دعم الإرهاب في العراق، لكن يبدو أن ذلك مجرد حلم ووهم فالولايات المتحدة تضع سياساتها وفق ما يحقق مصالحها حتى لو تطلب الأمر تدمير دول وتحطيم شعوب، وهنالك الكثير من التجارب في بعض دول العالم كان للولايات المتحدة الدور الكبير في رسم خرائطها فمثلا في القرن العشرين وفي الحرب العالمية الأولى دخلت أمريكا حليفاً لبريطانيا وفرنسا في حرب إعادة اقتسام المستعمرات في العالم. كما اشتركت أمريكا في الحرب العالمية الثانية التي أنهتها بإلقاء قنبلتين ذريتين هيروشيما وناجازاكي لتقتل ما يقرب من 200 ألف وتصيب وتشوه مئات الآلاف من المدنيين. وفي عام 1973 ساهمت أمريكا في إنهاء حكم سلفادور أليندي في شيلي ونجاح اليمين في إقامة حكومة ديكتاتورية عسكرية، وغيرها من التجارب والأحداث التي افتعلتها الولايات المتحدة . ففي العراق جاءت الولايات المتحدة بخريطة للتدخل بشؤونه ليس بهدف إحقاق الحق وإسقاط دكتاتورية وتخليص شعب بل لإدامة الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه كيف ومتى تثوب الولايات المتحدة إلى رشدها وتكف عن العمل بسياسة الكيل بمكيالين ؟ وهل ما حدث من خراب في العراق وسوريا على يد الإرهاب المدعوم من حلفائها في المنطقة لا يكفي لتحقق المصالح الأمريكية ؟ يبدو أن الهدف أبعد لأنه يتضمن إحكام السيطرة على المنطقة بأسرها فقد ورد في إستراتيجية الطاقة القومية (بالإنجليزية: National Energy Policy) أو ما يعرف بتقرير تشيني Cheney Report ما يشي بضرورة أن يكون هناك قواعد عسكرية للولايات المتحدة على رأس جميع منافذ النفط في العالم بدءا من كازاخستان، وانتهاء بأنجولا في أفريقيا.كما تشير تلك الوثيقة أيضًا إلى أنه بحلول عام 2020 فإن النفط الخليجي سيساهم بما يتراوح بين 54 و67% من معروض النفط العالمي الخام وهو ما يجعل هذا الإقليم حيويًّا بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة، هكذا يقول التقرير حرفيًّا، كما تشير بعض التقديرات إلى أن السعودية التي تصل طاقتها الإنتاجية حاليًا إلى نحو 10.5 ملايين برميل يوميًّا، والعراق بنحو 2.5 مليون برميل يوميّاً، سوف ترتفع طاقتاهما الإنتاجيتان كي تصل إلى نحو 22.1 و10 ملايين برميل يوميّاً لكل منهما على التوالي، وذلك خلال الـ17 عاماً القادمة.
فهل يبدو أن الولايات المتحدة تمادت كثيرا فكان ذلك حافزا لروسيا خصمها الدولي لتدخل ميدان الصراع عن كثب وتفجر المفاجأة حتى تعيد التوازن في المنطقة والعالم ؟ وهل بدخول روسيا على الخط بصورة مباشرة قد تغيرت وستتغير الكثير من الحسابات ؟ وهل هي بداية فشل المشروع الأمريكي في العراق وسوريا وفشل الإرهاب ؟ يبدو أنّ هذه الصورة هي الأقرب للخيال والواقع .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top