هم يؤسسون للموت.. لِمَ لا نؤسس للحياة؟

طالب عبد العزيز 2015/11/21 09:01:00 م

هم يؤسسون للموت.. لِمَ لا نؤسس للحياة؟

والعالم منشغل بالبحث عن آلية لمكافحة الإرهاب بعد تفجيرات فرنسا، وفي حمّى استعار الحرب ضد داعش ودولتهم الاسلامية التي قرضت المساحات الشاسعة من سوريا والعراق وليبيا يكون من واجبنا كنخب ومثقفين، أن نؤشر- قدر مستطاعنا- المَواطن التي شكلت وتشكل إلى اليوم ما يديم بقاء وترسيخ داعش والارهاب بأنواعه المختلفة، ولأننا في الجنوب، حيث الغالبية الشيعية، لم نكتوِ بنار داعش المباشرة، إنما بما يتطاير من شررها هناك، نجد أن إشاعة ثقافة من نوع خاص ستسهم بإطفاء الكثير من النار في بغداد والمحافظات السنية الأخرى.
نجد أن بعث قيم الجمال والتأسيس لعالم منفتح، خال من التشدد، وبعيدٍ عن مناكدة الآخر الشريك من خلال محاولات جادة في ترسيخ العيش المشترك وتعزيز جملة المشتركات في الدين والعمل والحياة وتقديم صورة مثالية للعيش ضمن حدود ومعاني المواطنة ستكون الخطى الأولى في سحب البساط من داعش هناك. أقلب في كتب الاسلامية والتاريخ والوطنية لأبنائي وأحفادي وأعثر على ما يفزع ويخيف فيها من الكراهية والفرقة، وأقرأ اليافطات في الشارع وعلى أسيجة المدارس ومداخل المؤسسات وأقلب طرفي في أسماء المدارس الرسمية والاهلية ورياض الأطفال فلا أجد فيها ما يؤسس لمغادرة نقطة الخلاف ويدعو لبعث قيم التسامح. ثم أسأل، ترى لماذا استبدلت العديد من أسماء الشوارع وبعض المدارس لصالح طائفة بعينها من دون غيرها؟ أليس في ذلك تجاوزاً على مشاعر الآخر الشريك؟
أنا أحب الموسيقى، وصوت فيروز بالنسبة لي ساعة أنكون حرا مع ابني في السيارة، عند ساعات الصباح الأولى بخاصة يشكل جزءاً جميلا وعميقا في تكوين روحي، لكنني آمرُ ابني بأن يُطفئ مذياع الراديو أو يغلقه كلما مررنا بخيمة لموكب حسيني. أشعر أن من الواجب علي إغلاقه احتراما للمشاعر، لكن ابني فاجأني ذات يوم بالسؤال الذي يبدو تقليديا له قائلا: ترى، لماذا لا يراعي هؤلاء مشاعرنا، نحن الذين نحب الموسيقى وصوت فيروز؟ فلا أجد في فمي كلمة تناسب سؤاله.
وبصريح العبارة، تشكل منظومة الحزن العاشورائية لدى الشيعة معضلة حقيقية لدى أهل السُّنة والمسيحيين والصابئة في بغداد والبصرة والمدن ذات التركيبة السكانية المشتركةً، على الرغم مما يبدو من مظهرها في وسائل الإعلام، إذ يعتقد هؤلاء بأن الحياة تنغلق وتتشح بالسواد عليهم خلال الاشهر(محرم وصفر ورمضان) فهم لا يتزوجون ولا يحتفلون ولا يفرحون في العلن خلال الاشهر هذه ، فاللون الاسود وانتشار مخيمات المواكب وكثرة البيارق وأصوات الخطباء والمنشدين في الشارع والسوق والمركبة والستوتة تلزم الآخر هذا باحترام المشهد المأساوي المقدس عند الغالبية الشيعية. الاحترام هذا جزء من منظومة أخلاقية لا بد منها، لكن الستين يوما(محرم وصفر) زمن طويل، ولو اقتصرت مظاهر الحزن على عشرة الايام لما كان في القضية ضير على أحد، إنما (منعي) من التعبير عن الفرح ستين يوما متتاليات قضية لا أُطيقها، تجعل مني أنسانا آخر، مأزوماً، أنت تحزن وهذه قضية تريدها لنفسك، أما أنا فعندي من الفرح ما لا أطيق قتله ومنعه. هذا هو حال لسان الاقلية هذه.
من الحُمق أن نصدق بأن القضاء على الإرهاب يبدأ بحمل بندقية، أو زيادة عديد الجنود من الجيش والشرطة والحشد والعشائر. نقول: ولن نقدر، لا نحن ولا أعتى الدول على هزيمة داعش بكثرة الجيوش وعدد الطلعات الجوية، ذلك لأن داعش فكرة وعقيدة، وهي منظومة موت مطلق، كلهم يرون الموت طريقاً إلى الجنة، وهذه قضية صعبة، معقدة لا تُهزم بالبنادق والرجال. من يريد الانتصار على الموت عليه أن يؤسس للحياة.
من أجل ذلك نقول: يا سادة يا كرام، ويا أصحاب الرأي والمشورة، يامن بيدكم الحل والعقد، يا من تحشدون الرجال والأموال لمحاربة داعش انتبهوا لما نقول، فو الله ما نحن بمقللين من شان أعمالكم، ولا باخسين حق جهودكم، فقد وقفتم الوقفة العظيمة الشريفة، وقدمتم خيرة الشباب على طريق التضحية في سبيل حماية الوطن والانسان ضد أقذر ما انتجته الارض من الوحوش والاوباش، داعش وقذارتها. لكن ذلك لا يعني أنكم تتجاهلون صيحات ضمائرنا، نحن الذين نحمل معكم ذات الهم وذات الشعور، ذات التطلع لرؤية عراقنا عراقا سليما، معافى، خال من الشرور ومن أمراض الطائفية والكراهية. فاصغوا لنداء ضمائرنا قبل أن تصغوا نداء عواطفكم، لأن النار، نار داعش ستأكل أجسادنا معاً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top