أمراض العمل السري
العمل الحزبي السرِّي بقدر ما يكون في بعض الاحيان ضرورة او اضطراراً يكون ايضا مصدر مشاكل خطيرة ، لا أقصد هنا المشاكل الأمنية التي يتسببها العمل السري حيث يتهدد منتسبيه بالقتل والاعتقال والتشريد والافقار والنبذ ، بل اقصد مشاكل تخص الجانب او الهيئة او الخلفية البنوية للحزب .
كنت في شبابي قرأت رواية ( الشياطين ) للاديب الروسي الكبير ديستوفسكي ، ولم أفهم منها الكثير ، ولكن حينما عاودت قراءتها فيما بعد ، ادركت خطورة العمل السري ، العمل الحزبي السري ، فكثيرا ما تبدأ الخلية ( الحزبية ) طهورية رسولية تبتلية ، ولكن بمرور الزمن تتحول الى بؤرة نفاق ومزايدة ، وربما نفق مظلم ، مشحون بالشرور والآثام والعدوان ، مهما كانت اديولجيتها رائعة وسامية ، بل قد يُسهم العمل الحزبي السري في تسميم جوهر الاديولجية النظيفة ، الانسانية بمعنى الكلمة .
الخلية الحزبية السرية ربما تتحول الى جملة شكوك ، وحركة مراقبة وخوف وظنون سيئة بأخلص الناس المنتمين الى ذات الاديلوجيا !
العمل الحزبي السري يربي في الأعماق هاجس الشك والحذر بالمحيط الذي يعيشه المنتمي ، لأنه خائف من الانكشاف ، وخائف من الوقوع في شباك المراقبة السلطوية ، وخائف ان يكون محل رفض من عائلته وأصدقائه ، ولذلك يتفنن بالتخفي والإخفاء والتحوير والتزوير ، وهذه السلوكيات حتى ان كان هدفها نبيلاً الّا انها في النتيجة تصوغ شخصية حذرة بالمستوى الذي يقتل في اعماق صاحبها الثقة بالآخر ، لا اقول على الاطلاق، بل بشكل نسبي ، وكم من حالة وحالة تسرّب الشك بعضو في خلية حزبية سرية ، واتخذت بحقه الاجراءات الحزبية الضيقة التي قد تصل الى القتل او العزل ، فيما كان الباعث شكاً بدوياً بسيطاً ، لا أكثر ولا أقل.
في كثير من الاحيان تجتاح ( أفراد ) الخلية الحزبية السرية حمى التنافس على كسب ود مسؤول الخلية ، وفيما يقول بعضهم ان هذا امر طبيعي ، فان النقطة المثيرة هنا ، ان هذه الطبيعة تتصاعد غريزتها بمنسوب عالٍ من الفعل والنشاط المحموم ، وربما يدخل في حلبة هذا التنافس ممارسة التورية والايحاء والاستعارة الخفية واساليب التحايل اللغوي والفكري ، وقد يتطور الى مرض الكذب ( الابيض ) ، ثم الى مرحلة الكذب ( الأسود ) ، وكثيرا ما يبرر ذلك فيما بعد بمصلحة الحزب أو الفكر او العمل ، فيسود الفساد ، وتتحكم قيم التحايل والتآمر في داخل التنظيم .
التنافس على القيادة والريادة والزعامة يشكل خطرا في كثير من الاحيان رغم مشروعيته العقلانية ، وليست الاسباب خافية في إمضاء هذا التصور ، ولكن الاشارة المهمة هنا ، ان مخاطر هذا التنافس على القيادة والزعامة والريادة في اجواء العمل العلني اقل منها حدّة وانحرافاً وضرراً منها في مجال العمل السري ، وحديثي عن العمل الحزبي هنا بطبيعة الحال.
الكسب الحزبي مهمة حزبية اصيلة ، لا شك بذلك ، ولكن قد يتساهل بعض افراد الخلية في كسب المزيد للحزب بدافع خفي ، او دوافع خفية ، بعضها في غاية الخطورة ، وقد يكون بعض هذه الدوافع الظفر بمباركة الحزب ، وتهيئة السبل للارتقاء الحزبي المطرد ، وقد يمني هذا العضو النشط هذا التساهل في الكسب باسباب كثيرة، معظمها غير صالح ولا منطقي ، فيما الضرر الناجم منه كثير الى حدِّ نحر الحزب والقضاء عليه.
والسؤال ....
هل استطاع حزب الدعوة الاسلامية ان يتلافى مثل هذه المخاطر الكبيرة وهو يمارس العمل الحزبي السري ؟
وهل يملك نظرية تنظيمية تحول دونها ؟
وهل يكفي لذلك ترسيخ الحياة الروحية ، وتمكين الخُلق الاسلامي ؟
يتبع
تعليقات الزوار
بغداد
الدين الأسلامي لا يوجد فيه نظريات لأنشاء احزاب إسلامية يجب عدم تسيس الدين الأسلامي بهذه الطرق الملتوية ؟ الدين الأسلامي هو دين كامل مكمل فيه قوانين شرائع نزلت أحكامها من اجل نشر العدل بين الناس كافة الناس فهو غير قابل للتجزأة وغير قابل للتحزب الأحزاب الأس
أبو أثير بغداد
كلام من القلب الى القلب نابع من عراقي شريف بارك الله فيه