قناطر: ليس التمدُّنُ عدوَ الاسلام في البصرة

طالب عبد العزيز 2024/02/17 10:46:08 م

قناطر: ليس التمدُّنُ عدوَ الاسلام في البصرة

طالب عبد العزيز

في مطلع السبعينات من القرن الماضي عرضت فرقة الطريق، وهي فرقة فنية بصرية اوبريت (بيادر خير)على مسرح قاعة الخلد، وكان صدام حسين حاضراً. يتحدث الاوبريت عن معاناة الفلاح ضد الاقطاع، مُعَبَّراً عنها بأغنياتٍ من الفلكور ورقصات شعبية تحاكي التعب والجهد وجمال الحياة، وامكانية التعافي من الظلم والاخذ بيد الفلاحين الى عالم يسوده العدل والعيش الكريم..

ولأنَّ العمل الفني هذا نجح نجاحاً باهراً، ولاقى استحسان الجمهور في بغداد بشكل لافت، فقد استتفزَّ النظام في عقر داره، الامر الذي أثار غضب صدام حسين نفسه، آنذاك، فتم منع الفرقة من العمل، وتأسيس فرقة فنية مشوهة، اعتمدت فكر الحزب والنظام، فقدمت أعمالاً هابطة رخيصة لم تعد تذكر ضمن النسيج الفني والثقافي العراقي.

يبدو أنَّ البصرة الناهضة والصاعدة بقوة مدنية ناسها بعد فوز كتلة تصميم، وعودة المهندس أسعد العيداني محافظاً أثارت حفيظة خصومها، في بغداد والنجف، الذين يريدون جرّها الى حظيرة التبعية ثانية والقيد الحزبي، باشعال فتيل الفتنة بين اهلها(مدنيين وإسلاميين) وإلا كيف نفسِّر ما جاء في المقطع الصوتي، الذي يدعو المتحدثُ فيه الى إقامة مهرجان كبير، وعلى ملعب جذع النخلة، باسم هوية البصرة، قائلاً بأنها مدينة: "تستهدف إعلامياً من قبل ضعاف، النفوس، وأنّها مدينة تمدن، ولا تتقيد بتعاليم الاسلام، ومدينة لا تتقيد بتعاليم الحوزة العلمية، ولا تكترث لاوامر المرجعية، يعني بين قوسين مدينة انحلال، مدينة انحلال خلقي، والكلام مازال له، وصاروا يستهدفون هذه المحافظة فصارت منحطة خلقيا، ولهذا اقمنا المهرجان، لأننا نريد ان نثبت عكس ما يشاع". لماذا الخوف من المدنية والتمدن يا شيخ؟

هذا كلام خطيرٌ، يدسُّ السم بالعسل، بقوله(تُستهدفُ إعلامياً) فيه تجنٍّ، ويمسُّ سكان المدينة في الصميم، ويستهدف تركيبتهم الاجتماعية والاخلاقية والثقافية. متى كانت البصرة مدينة لا تتقيد بتعاليم الاسلام، ولا أوامر المرجعية، والحوزة العلمية؟ من قال هذا؟ وهل مدنية البصرة تعني الفجور والانحلال الخلقي؟ ثم من خولك بالحديث عن أهلها؟ ومتى كانت البصرة مدينة على الصورة المشوهة هذه؟ ولماذا تفردها بين مدن العراق؟ فتقيم مهرجانك الكبير هذا دفاعاً عن هويتها الاسلامية، كأنك لم تسمع ولم ترَ بغداد، بملاهيها ومشاربها ومحال المساج والرقص والموسيقى!! أم أنَّ على عينك غشاوة؟ ولماذا تفرض نفسك وصياً على المدينة التي قدمت الدماء والشهداء وحاربت اعتى الطغاة وليست بحاجة الى شهادة أحدٍ، فهي المعروفة بسخائها مالا ودما، فدع اهلها يحكمونها بمشيئتهم أيها الرجل.

من حقك أنْ تقيم ما تشاء من المهرجانات، وبالصورة التي تريدها، والساحة مفتوحة لك ولغيرك، لكن ليس من حقك خطف إرادة أربعة ملايين انسان، هم المثال في التضحية والعطاء والاخلاق والنبل والشهامة والثقافة، وتصورهم بالصور التي ذكرتها، ناسباً القول الى إعلاميين. معلوم بأنَّ البصرة تعيش الآن أفضل أيامها، وهي تستعجل الخطى باتجاه التنمية والعمران من خلال عشرات المشاريع الخدمية والاقتصادية والثقافية. اما استدرار العواطف والتباكي على الاسلام، وتصوير المدينة على أنها التي يخرج على صعيدها الامام المهدي(ع) فهذا ما لم نقرأه في كتبنا، فهي ليست خراسان ولا مكة ولا المدينة ولا النجف ولا كربلاء لكنها ستكون ذلك كله، قداسةً وجمالاً ورفعة ومدنيةً بتكاتف أبنائها، وعملهم وإخلاصهم وحسن اخلاقهم التي تنكرها، وبحكمة القائمين على أمرها أولاً وقبل كل قول..

يقول البصريون ليست المدنية والتمدن عدواً للإسلام في البصرة. عدو الاسلام في البصرة والعراق هو الفساد والمحاصصة والاستحواذ على المال وقتل النفس التي حرم الله وشراء الذمم وبيع الوطن للاجنبي وكراهية الآخر المختلف ووو. الغريب أنَّ صاحب المقطع الصوتي هذا وبعد دعوته سكان المدينة لحضور المهرجان يخلص الى القول بأنه:" في الاخير ستنكس راية الظلام التي يحاول أعداءُ الاسلام رفعها" والحقيقة ما علمنا بأنَّ أحداً في البصرة يرفع راية الظلام! فالمدينة بأربعة ملايين مسلم، وليس بينهم كافر ومضل ومارق، وهي حاضرة الاسلام منذ 1400 سنة، ولم يتهمها أحدٌ لا من قبل ولا من بعد برفع راية الظلام فيها. المحافظة وإدارتها وعلماؤها وشيوخها مسؤولة امام الله والناس لتبيان حقيقة اسلام سكانها امام الدعوة الظالمة هذه.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top