مركز دراسات: السوداني يواجه تحديات الحفاظ على علاقات مستدامة مع الولايات المتحدة

مركز دراسات: السوداني يواجه تحديات الحفاظ على علاقات مستدامة مع الولايات المتحدة

 ترجمة/ حامد أحمد

أشار تقرير للمركز العربي للدراسات في واشنطن الى ان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وخلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة اقترح إقامة علاقة جديدة متينة مع أميركا مستندة على اتفاقية الإطار الستراتيجي المشترك لعام 2008، ومع الاخذ بنظر الاعتبار الضغوطات المختلفة التي يواجهها ووضع العراق الاقتصادي والأمني، فان خططه وتطلعاته الطموحة ربما ستكون غير مضمونة وقد تواجه تحديات من قطاعات مختلفة ضمن البيئة السياسية الحالية.

ويذكر التقرير الذي كتبته سفيرة العراق السابقة لدى واشنطن والناشطة السياسية، رند الرحيم، انه استنادا لمصادر أميركية وعراقية فان زيارة رئيس الوزراء كانت ناجحة رغم ان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كانت منشغلة بتبعات حرب غزة والضربة الإيرانية على إسرائيل التي جاءت عشية وصول السوداني لواشنطن.

الزيارة لم تكن خالية من خطورة سياسية بالنسبة للسوداني، حيث ان أعضاء كونغرس جمهوريين دعوا الرئيس بايدن لالغاء الزيارة على اعتبار ان الحكومة العراقية تخضع لنفوذ إيراني كبير، وكانوا يشيرون في ذلك الى فصائل مسلحة تستهدف مصالح أميركية وهي ضمن تشكيلة الحشد الشعبي الذي يعتبر مؤسسة حكومية، وهي الفصائل نفسها التي تطالب منذ فترة طويلة بإنهاء التواجد الاميركي في البلد، مع ذلك فان هذه التوترات والأزمات لم تمنع السوداني من زيارة الولايات المتحدة وعرض برنامجه لتطوير علاقات ثنائية تشمل كل القطاعات الأمنية والمالية والصحة والبيئة والتعليم والدفاع من بين مجالات أخرى ، ولكن برنامج السوداني الطموح سيصطدم بحقائق عملياتية وسياسية في العراق.

من الناحية العملية ، فان العراق ما يزال يعاني من فساد متجذر وبيروقراطية إدارية قاهرة وقطاع مالي ضعيف مع مخاطر امنية متبقية وقوة عاملة خالية من المعرفة والمهارات لمواكبة المعايير الدولية . ورغم ان الحكومة تعمل جاهدة لمعالجة هذه المعوقات، فان قسما منها يعيقه الفساد فانه متأصل في النظام ما يصعب اجتثاثه، ومثل هذه المعوقات تكون مثبطة لجذب الاستثمارات الأجنبية.

وتشير الكاتبة في تقريرها الى ان الجانب الأصعب من هذه التحديات هو التحديات السياسية. فان تحقيق شراكة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة تتطلب إرادة سياسية وطنية قد لا تتوفر في الوقت الحالي. فالاطار التنسيقي، الذي يضم جماعات وشخصيات شملتها العقوبات الأميركية، ايد زيارة السوداني لواشنطن، لكنه يريد في الوقت نفسه تعهدا اكثر وضوحا بخصوص انسحاب القوات من البلد. أما ائتلاف إدارة الدولة، الذي تنضوي تحته كتل وأحزاب شيعية وسنية وكردية، فانه يؤيد الزيارة ولكن من دون أية إشارة لقضية تواجد القوات الأميركية. فالاكراد يدعمون علاقة وشراكة قوية مع الولايات المتحدة والتي تشتمل على تعاون أمني وعسكري، وكذلك الكتل السنية فانها تدعم بصمت وجود روابط قوية مع واشنطن كقوة موازنة بوجه نفوذ ايران في العراق. مع ذلك فانه رغم هذه الاختلافات، فان مواقف الجهتين كانت مطمئنة للسوداني، وربما ساهمت في نجاح زيارته للولايات المتحدة.

في كانون الثاني عام 2020 وعلى اثر اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب قائد الحشد أبو مهدي المهندس من قبل الولايات المتحدة، اتخذت غالبية الكتل الشيعية في البرلمان قرارا غير ملزم بإخراج القوات الأميركية من العراق. وفي شباط من هذا العام وردا على الهجوم الأميركي الذي تسبب بمقتل قيادي في الفصائل المسلحة استنكرت كتل شيعية في البرلمان حادث الاغتيال ودعت الى تمرير قانون ملزم بإخراج القوات الأميركية، ولكن كتل سنية وكردية قاطعت الجلسة او امتنعت عن التصويت وكذلك فعل قسم من أعضاء الإطار التنسيقي. واقرارا بالضغوط هذه شكلت الحكومة العراقية والأميركية في كانون الثاني 2024 لجنة الهيئة العسكرية العليا لتحديد وتقييم مستقبل الاحتياجات الامنية العراقية وتقديم الدعم الأمني الدولي وفقا لهذه الاحتياجات. مع ذلك فان هذا لا يعني بالضرورة التمهيد لوضع جدول زمني لانسحاب قوات التحالف وعلى رأسها التواجد العسكري الأميركي في العراق. السوداني قاوم دعوات وضع جدول زمني للانسحاب ولكن تعهد بان حكومته ستلتزم بما تتوصل له الهيئة العسكرية العليا.

ويذكر التقرير ان هذا التوجه لم يرض المتشددين. ففي العشرين من نيسان وهو يوم عودة السوداني من واشنطن، وجه عضو برلمان من كتلة سياسية ضمن الاطار التنسيقي رسائل الى رئيس الوزراء ووزراء اخرين يطلب فيها المساءلة بخصوص نتائج الزيارة للولايات المتحدة وخصوصا ما يتعلق بجانب انسحاب قوات التحالف. وبعد مرور أيام تم شن هجمات على قوات أميركية في العراق وسوريا منطلقة من محافظة نينوى. وبتاريخ 26 نيسان استهدفت طائرة مسيرة حقل غازي في السليمانية تديره شركة إماراتية. الرسائل كانت واضحة، وهو ان الفصائل بإمكانها استهداف مصالح أميركية وتقوض الامن في العراق في الوقت والمكان الذي تشاء، في تحد لحكومة بغداد.

منذ العام 2008 وتوقيع اتفاقية الإطار الستراتيجي المشترك ومرورا بثلاث رئاسات، كانت الولايات المتحدة تعتبر العراق ليس أكثر من مشكلة امنية وكانت تركز بشكل واضح على احتياجاته الامنية والعسكرية. ولكن علاقة محددة بهذا الإطار الضيق لا تكون مستدامة او قوية وتفتقر الى مواطن تعزيز العلاقات في قطاعات مهمة أخرى اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية. وان تنفيذ الهدف الاوسع لهذه الاتفاقية يعد الان ضرورة للبلدين وليس أمرا مظهريا فقط.

ولكن هناك بدون شك عوامل بيروقراطية وسياسية وربما امنية قد تؤخذ بالحسبان، والفساد عند كل المستويات ما يزال مشكلة بحاجة الى حل في العراق. وعلى الولايات المتحدة ان لا تنظر فقط لفوائد تطبيق اتفاقية الإطار الستراتيجي المشترك بل أيضا لكلف عدم تطبيقها والمخاطر المترتبة عليها والتي قد تشمل عدم استقرار في العراق وزيادة قوة المجاميع المتشددة مع تبعات إقليمية بزيادة نفوذ إيراني واحتمالية جر العراق بعيدا عن محيطه العربي الإقليمي.

• عن المركز العربي للدراسات في واشنطن

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top