العلوي في ذكرى رحيل روحه المتصوفة

العلوي في ذكرى رحيل روحه المتصوفة

عقيل الناصري رحل بالأمس القريب عنا ، الباحث المتجدد والتراثي الأصيل هادي العلوي، وهو في قمة علوه المعرفي وعطائه العلمي .. وبهذا الرحيل أفتقدت الثقافة العراقية الأصيلة عامة والتقدمية على وجه الخصوص، أحد اعمدتها المنيرة في جدليتها، والمثيرة في استفهاماتها وماهياتها في الوقت نفسه. لقد تزين العلوي بسمات العلماء المبدعين  من تواضع جم ، بكل ما للمفردة من معنى،

كما إمتلك شجاعة علمية نادرة في الأزمنة الرديئة التي عاشتها الثقافة العراقية منذ الرحيل القسري لثورة 14 تموز في انقلاب شباط الدموي، وبكل ما حملت من صعوبات ومضايقات بلغت حد التغيب المادي للمثقفين والعضويين بالأخص. اتسم الراحل العلوي بمعرفته الموسوعية للتراث العربي/الاسلامي وبتشعباته المتعددة وتطبيعه اياها للقراءة المعاصرة والاستفادة منها في الظرف الحال. لقد تصدى متصوف الروح لهذا الإرث بمسؤولية علمية عالية وبوضوح منهجي واضح المعالم، مقترناً بالمنطقية وبتاريخية هذا التراث، مما سمح له بالإجتهاد العلمي  ضمن نظرته الجدلية، والأكثر من ذلك حاول تطبيق ذلك في تفسيرات الواقع المعاصر لثقافتنا وما ينتابها من اشكاليات معرفية وسياسية ، والعمل على تغييره والتعبير عن ذاته بمضامين متجددة يتلائم ومتطلبات الوقت الراهن. لقد كان العلوي يلح على ضرورة ان يتحلى المبدعون والباحثون بالجرأة العلمية ؛ والصراحة والوضوح في الطرح؛ والصرامة في التنقيب والبحث؛ والتأني في الاستنتاج ؛ وبالاستقلال الفكري عن الولاءات والحزبيات الضيقتين؛ والاجتهاد في التفسير بدون وجل ٍ أو خوفٍ  من أي سلطان كان .. حكومة .. حزب .. مؤسسة أو أي إنسان. كما كان يصر على أن نصغي بإحترام ونتمعن في النصوص وقراءتها  قراءة حية جدلية لأجل معرفة مسارات صيرورتها ومآل  الظواهر الاجتصادية الملازمة لها وزمنية سيرورتها  وماهيات إرتقائها.. ليتاح لنا المساهمة في الكشف عن جوانبها المضيئة و نشرها والإشارة إلى تلك المظلمة منها، ومعرفة الغائية الكامنة وراءها وعدم الاكتفاء بماذا يقال.. والأهم إنتزاع القدسية من اية ظاهرة اجتماعية تُدرس. لذا كان شعار شيخنا المستمد من أحد أساتذته العظام - ماركس الشك في كل شيء ، بغية الوصول إلى اليقين، وهو الطريق الموصل نحو المزيد من الموضوعية والتجديد.. لأنهما ينطلقان من أن الانسان في مجرى تاريخه الحياتي يخلق ثقافة، وسوف يكون حرا في أن يجعلها ثقافة عندما يتحرر من قيود العوز والحاجة المادية والروحية.. أي أنهما ينطلقان من الإيمان بالإنسان ، الذي هو غاية الأفكار الانسانية النبيلة وأن يتمكن من قهر الإغتراب عن نتاجه، عن عمله ، عن أخيه الإنسان،عن ذاته وعن الطبيعة... أن يعود إلى ذاته وأن يعانق العالم بقواه- أريك فورم ويصبح متوحداً معها حد الاندماج المتماهي. علمنا العلوي.. كمبدع كبير ، أن نكثر من الاحتجاج ونعارض بقوة كل من يستهدف تدمير الذات الإنسانية وتدمير الحب والحياة، وأن نناضل ضد القهر والاستلاب ، الاستغلال والاغتراب أيا كان شكلهما، وضد الإستبداد حتى لو كان عادلاً ( المستبد العادل) ،لآن ذلك يخالف العقل والمنطق.. فإذا كان مستبداً فكيف يكون عادلاً؟؟ . كما علمنا ودعانا إلى أن نحتج دوماً ونمارس هذا الفعل ضد الثقافات السطحية والضحلة، وتلك التي تعيد إنتاج الجهل بطرق جديدة. ونقف بقوة ضد انعزال الذات الفردية واعتكافها عن محيطها الاجتماعي  الذي هو عالمها الحقيقي والمحفز للإبداع .. ونناضل بعزم وبكل الوسائل – بالكلمة أو المادة- لإستعجال بلوغ مملكة الحرية .. الخالية من العوز ، بكل أشكاله، والتحرر من أثقال الأنوية / الذاتوية وأن { نتبادل الحب بالحب والثقة بالثقة- ماركس} وأن يكون سلوكنا الاجتماعي انسانياً وطبعاً طبيعياً وليس متطبعاً. لقد ترك العلوي الكبير ثروة فكرية غنية بمضامينها وأشكالها.. رغم أن (قاتل اللذات ) المعرفية لم يمهله لاستكمالها، إذ أنه منذ أن سلك  الدرب ( اللا ملكي)- درب البحث العلمي، كان التراث العربي / الاسلامي موضوعته الأراسية، حيث بدأ مشواره الأول معها منذ مطلع الستينيات .. عندما تأثر بالتغيير الكبير في 14 تموز الذي فجر فيه الكثير من مكامن الطموح الفكري ونظراته الفلسفيه  للذات الفردية والجمعية ، ولواقع مستقبل  وبرنامجية العراق الاجتصادي/ السياسي ونظرته إلى  الفقراء بصورة خاصة. في الوقت نفسه استفزه واقع الأحتراب الاجتماعي وصراع القوى السياسية فسار ليس في تفسير هذا الواقع بل عمل على تغييره بقلمه وفكره .. واستمر على هذا الدرب طيلة رحلة العمر إلى غيابه الأبدي. كان يستكمل أبعاد موضوعة التراث من خلال المقارنات والمقاربات العلمية وإستخدامها في وقتنا الراهن، كما كان يعمل بذات المنهج ، بين الفلسفتين العربية/ الإسلامية والصينية، وفي الاستدلالات من المدارات الصوفية ومن تباينات حركات الاحتجاج الواسعة لدى االجمهرة العلمية من فلاسفة ومناطِقَة ؛ شعراء وثوريين، متصوفة وملحدين.. الذين زخرت بهم الحركة الثقافية في البلاد العربية والاسلامية.. وبهذه السعة من المعارف التي ألفها فقد أضاف إلى المكتبة العربية المعاصرة ذلك الكم الوفير من الدراسات والابحاث اللغوية مما سمح لنفسه بالاجتهاد

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top