حسين مردان وحواره مع مثاله الشعري

حسين مردان وحواره مع مثاله الشعري

ياسين النصير-1 -تكاد المرأة، في أدب وحياة حسين مردان، أن تكون القاسم المشترك للكثير مما كتبه من: شعر، ونقد أدبي، ونثر مركز، وقصص قصيرة، ومقالات صحافة(1) هي المثال الذي رافق سيرته الأدبية كلها، وهي النموذج الذي يأنس لمحاورته كلما اشتدت به الخطوب.

وترتبط المرأة في أدبه بكل ما هو جديد وحديث. ففي الوقت الذي كان السياب يجد في الأساطير بعض ملامح تجديده الشعري، وفي الوقت الذي ارتبط البياتي بكل ما هو حياتي معاصر ويومي في شعره، كان حسين مردان يجد ضالته في المرأة وفي التمرد الثقافي وفي الفقر والرفض والسجون والوحدة والخوف من كل ما هو مدني مصنوع.لقد منحته السنوات الممتدة ما بين عامي 1949- 1972، وهي سنوات الإبداع الحقيقي في الثقافة العراقية، الكثير من الحرية في القول وفي الممارسة. وحسين مردان محظوظ لأنه مات في نهايتها بعدما عاصر أهم إنجازاتها الشعرية والقصصية والمقالية، فالكثير مما كان يقوله في مقالاته وشعره لا يجرؤ أحد على القول فيه ثانية، وقوله في المرأة واحد من العلامات البارزة في الأدب العراقي الحديث لما أتسم به من ربط جدلي بين المرأة ككيان نفسي وبين المجتمع ومشكلاته السياسية، والواضح أن ما تمنحه المراحل المهمة من فرصة للأديب لا تعاود منحه إياه ثانية.والتجربة المفردة لا تستنسخ لذلك عاش حسين مردان فترته بكل تناقضاته، واندمج بها كما لو كانت خلاصه النهائي، فأعطى ما يمكن أن يعطيه شاعر متألق يحب الحياة كما لو أنه لم يكتشف الموت فيها، ويكره الموت كما لو كان قرينا بالصمت، وما تنوع أساليب القول عنده إلا جزء من محاولته المستميتة للحاق بتناقضات المرحلة وتعقيداتها.ولم تأخذ العلاقة بالمرأة طابعا واحدا، فمرة تكون رمزا للجمال، ومرة أخرى تكون مثالا للحب، وثالثة تكون امرأة مجردة، إلا أن العلاقة كلها مبنية على شيء من المعانقة السرية، فالشاعر لا يرضى بغير علاقة العذاب، العلاقة التي تفجر الكلمات والصور والأحاسيس، لذلك لم نجد له امرأة واحدة معينة، بل كان له مثال ما تتشكل أبعاده من خصائصها النفسية والاجتماعية، لذلك نحن لا نقرأ عن امرأة ما عراقية أو غير عراقية، بل نقرأ عن كل امرأة يجد فيها كلمة شعر واحدة.وفي ضوء ذلك نجد بعض ملامح مثاله مستعارة من المرأة الأوربية التي صادفها أثناء رحلاته وسفراته العديدة، امرأة البارات والمقاهي والمدن الزجاجية، والمتعة العابرة، والشوارع والقطارات.. المرأة التي\" جردها الفكر الأوربي من صفتي الجارية والربة القديمة\"(2). وصيرها أنسانة تحيا بكامل حريتها لتعطي كامل إنسانيتها، أما بقية ملامح مثاله الأنثوي فمأخوذة من المجتمع العراقي والتي هي وريثة حقيقية لكل متناقضات هذا المجتمع، امرأة تجمع بين المتعة والشهوة، والزينة والخداع، الثقافة والعزلة، امرأة القلب الملغى. ومع هذه المرأة تجد بعض نسوة الأزقة والحواف الملفعات بسواد العباءة وسواد الحزن الموروث. ليس هناك امرأة ما معينة أو وحيدة، بل مجموعة صفات وخصائص كان حسين مردان يستجمعها كلما أمسك القلم ليكتب عنها. المرأة العراقية الوحيدة التي حافظ على مسافة ما محترمة بينه وبينها هي أمه. ومثل هذه المرأة لا تستطيع أن تمنحه أية علاقة شعرية لأنها مليئة بالإيجابية\" فهي المرأة الوحيدة التي تحبني\"(3)، وحسين مردان لا يجيد التعامل إلا مع المرأة غير المنسجمة/ المحسوسة، التي تحمل صفات من شهرزاد وفتاة البار، والمثقفة التي تقرأ كافكا ولا تعرف معنى العبثية. المرأة التي لن تكتمل بقصيدة واحدة، لأن المرأة المتكاملة\" لا وجود لها إطلاقا لأن الطبيعة نفسها لم تزل في دور التكوين\"(4).- 2- وتكتشف المحاورة بين حسين مردان ومثاله الشعري، عن تنوع خصب لـ\" أدبيته\". وكان التنوع التعبيري من قصة وقصيدة ومقالة ونقد وأحاديث بمثابة الأرضية المتعددة الأغراض لسيرورة مثاله. ويستطيع الناقد أن يشخص مستويين كبيرين لأبعاد هذا الحوار.المستوى الأول: اعتباره المرأة كجزء من مفهومه للحداثة في الأدب.المستوى الثاني: اعتبار المرأة منفذا للمحاورة الاجتماعية. وثمت مستوى ثالث هو حصيلة المستويين السابقين، إلا وهو العلاقة بين المثال- المرأة، والأم. يدفعنا إلى اعتبار هذا المستوى متداخلا بما سبقه لأنه ينمو بنا نحو تفسيرات سايكولوجية بحتة لسنا بصدد معالجتها، رغم أنها ستكون ضمنا إحدى حلقات البحث المهمة.وميزة المستويات الثلاثة أنها تتداخل فيما بينها، ليس في مرحلة الكتاب الواحد، وإنما في مسيرته الحياتية والأدبية كلها. لعل المستوى الأول، أكثر المستويات تغلغلا في النتاج الإبداعي، فالحداثة تعني لديه محاورة اجتماعية وكشفا أسلوبيا جديدا، كما تعني جعل المرأة رمز  إحدى أهم اشكالات المعاصرة. ويفصح المستوى الثاني عن نقاط افتراق عديدة، فالمرأة في مقالاته الصحفية وبخاصة في كتابه\" الأزهار تورق داخل الصاعقة\" تصبح طرفا إيجابيا في المحاورة، وقضية فكرية، وموقفا اجتماعيا، وموضوعا متكاملا. في حين تصبح في شعره كائنا أنثويا محددا بأعضاء جسدية ، هي في الأغلب الشفاه- النهدان- الوركان- رغم اختلاف بعض القصائد عن هذا البعد. فالمحاورة الاجتماعية

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top