هادي العلوي شيخ متصوفة القرن العشرين

هادي العلوي شيخ متصوفة القرن العشرين

محمود سعيد هادي العلوي، العالم الموسوعي، متصوف القرن العشرين بحق، الشجاع الجريء، حامل لواء الحداثة والتجديد في التراث، ورائد التواصل العقلاني بين الماضي والحاضر، وبرحيله توقف قلم نزيه تفرد في كتابته الصريحة والشائقة في عالم يسوده الزيف، سكت صوت حر طالما حارب الظلام والتعصب والجهل، واخاف وما يزال يخيف الجبناء وانصاف الرجال والمجرمين ومتسلقي السلطة والمنافقين والمتحيزين والجبارين الذي كشفهم وحاربهم،

والمنحطين في كل بقاع الارض، فما زال قسم من كتبه ممنوعا في اكثر من دولة عربية واسلامية، ومازال بعد وفاته يثير رعب الجبناء، الناقصين، غير الاسوياء، ففي خلال هذا الاسبوع بالتحديد منع احد كتبه من دخول دولة عربية (محطات في التاريخ والتراث).. باستشهاد العلوي ترجل في الصراع احد اعظم فرسان الوغى الذين تستنير الامة العربية بآرائهم وتسترشد باجتهاداتهم وتأنس بنصائحهم وهي تعيش احلك لحظات حياتها الكئيبة البائسة الرديئة. ولعل اكثر الامور كآبة هو فشلنا في التعبير عن حقيقة نهاية شخص زاه متفرد كهادي العلوي، ما الكلمة المناسبة؟ مات؟ يالبؤس هذه المفردة؟ كل البشر يموتون يرحلون بغادرون، ماذا اذن؟ ربما كلمة الاستشهاد هي التي تميز وفاة هادي عن غيره، فعندما جاءته الجلطة كان يجري مقابلة مع قناة حزب العمال الكردستاني.ان تقويم وتقييم اعمال هادي العلوي لايتسع لها مقال في صحيفة او مجلة، ولاشك بأن العديد من الكتاب سينبري لهذه المهمة العسيرة واللذيذة معا، فما ترك العلوي من آثار متعددة وكثيرة وغزيرة ورائدة لابد من ان يجتذب الكثير من الباحثين الطيبين الخيرين الذين يطمحون لعالم افضل لكل البشر الذين يعيشون على سطح الكرة الارضية.. وازعم واظنني على حق انهم سينكبون على تراثه سنينا وسنينا ليظهروا اي انسان عظيم كان هذا الرجل الزاهد الناحل المتجرد من او شاب العيش وقذارة الدنيا والمال. لكني وبالرغم من انني حديث العلاقة مع العلوي استطيع ان اميز خطوطا رئيسية تميزه عن غيره: 1-عدم تعصب العلوي لاي دين او مذهب في ابحاثه الرائدة في التراث العربي والتي يبدو شاهدا على عمقها سفره الرائع المستطرف الجديد، وعشرات الكتب الاخرى التي تتكئ على التعمق في النظر وانتقاء كل ماهو انساني ومتفتح فيه لفتح المجال امام اتجاه صائب في دراسة التراث، بحيث يؤدي ذلك الى ابراز التراث على حقيقته كما هو من دون رتوش فيتحرر المستقبل من الماضي ويتحرر الماضي من اخطاء المستقبل التي تجير من دون حساب على قائمة الماضي. فهو الشيعي الموسوي لكنه كان افضل من كتب عن ابي حنيفة زعيم السنة، لم ينتقص منه ومن اجتهاداته، اشاد بعلمه وبعد نظره بشكل اوغر قلوب الاقزام وديدان التفرقة المذهبية، وكتب عن عمر وابي بكر وعمر بن عبدالعزيز بنفس الروح العلمية مشيدا بأعمالهم غير منتقص منهم بأي شكل من الاشكال.. اقول ذلك وانا اشعر بالالم والخزي لتطرقي الى التفرقة المذهبية التي قضت عليها ثورة الرابع عشر من تموز 58 بحيث اختفى من ينادي بها آنذاك لكنها عادت ومع الاسف الشديد بعد سيطرة اشباه الرجال على مقدرات العراق منذ الثامن من شباط 63 وحتى الوقت الحاضر، ولو كانت عودتها طبيعية لهان الامر لكنها جاءت عارية مكشوفة قبيحة تناقش في الصحف والمجلات كقضية ملتهبة لا يخمد نارها الا بتقسيم العراق. وكتب مشيدا ببطل خارجي (شبيب الشيباني)، والخوارج كما هو معلوم من اعداء الشيعة. وهو مسلم لكنه كان يعتبر المسيح مثله الاعلى واشاد به في غير ما مكان. لم يتعصب هذا الانسان العظيم او ينحاز الا للانسان ومصالح الانسان. 2-ريادة ابحاثه الصينية وكشفه وتقديمه باسلوب بسيط واضح الفلسفة الصينية التي كانت مجهولة كلية للقارئ العربي، كان كتاب الغرب ومضبوعي الغرب قد غرسوا فينا عقدة الدونية لان الفكر الشرقي خال من الفلسفة، وانه فكر بسيط سطحي عاطفي، وان الفلسفة لاتوجد الا في اوربا، فجاء العلوي ليقدم فلسفة الصين التي لاتقل عمقا عن فلسفة اليونان واوروبا، ليقدم ابطالا بشرا مثلنا كافحوا وفشلوا وانتصروا، لكنهم تركوا تراثا ذا قيمة حقيقية لايعرف قيمته سوى الذي اوتي الكثير من الانسانية والقلب الواسع وبعد النظر. 3-تقديمه لابطال شعبيين في التاريخ مثل شبيب الشيباني الذي يفوق روبن هود بطولة وشهامة وثراء انسانيا، وكشفه عن جوانب انسانية عميقة لدى رجال آخرين لم نكن نعرف عنهم سوى وجه واحد، لكنه استطاع ان يكشف عن سمو اخلاقهم والتصاقهم بالانسان. 4-سلسلة معاجمه الحديثة –العشرة- والتي لم يسبقه في فكرتها احد في هذا القرن، والتي افتتحها بقاموس الانسان والمجتمع. ان ريادة نقطة واحدة من النقاط المتقدمة تحجز للانسان حيزا رفيعا في سجل الخالدين، فكيف بأربع نقاط؟. ايحق لي ان اقول بعد هذه المقدمة المبتسرة ان آخر الموسوعيين العرب قد استشهد وحيدا في الغربة؟ أهذا يكفي؟ لا بالطبع. مناقب العلوي هنا اشياء خفية شخصية خاصة تلصق بأي شخص، لايعرفها سوى المقربين منه، وعند الاطلاع عليها يظهر ذلك الشخص على حقيقة صافية او ملوثة غائمة، هذه الاشياء كان الاقدمون يسمونها: مناقب، ومناقب متصوفنا العلوي لاتعد ولاتحصى: 1-التواضع. ان تواضع هذا الكاتب الكبير الجليل لاكبر من ان يصفها قلم، ففي رسالة مؤرخة في العشرين من اغسطس (آب) هذه السنة اجاب على رسالتي التي كنت بينت له فيها

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top