نظرات في ادب  حسين مردان

نظرات في ادب حسين مردان

عبد الجبار عباسيرد اسم حسين مردان في تاريخ الشعر العراقي الحديث مقترنا بمجموعة (قصائد عارية)،، ولكننا لو تأملنا تلك القصائد في ضوء من اعادة التقييم لوجدنا انها لم تكن الوجه الوحيد او الاكثر اهمية لريادة حسين مردان الادبية كما قد يظن كثيرون..

 فلقد ادرك بعد سنوات ان القيمة الريادية لتلك القصائد القليلة الملتهبة تكمن في انها محاولة جريئة لتجسيد نظرة اخلاقية جديدة على البيئة العراقية اكثر مما تكمن في كونها تمثل انجازا شعريا ضخما.. فهي لاتخرج في لغتها وصياغتها عما هو شائع من الاساليب وطرق التناول الشعري، في مقدمة كتابه (صورة مرعبة) قال: كان ديواني – قصائد عارية- اقلها عمقا اذا قيس بمؤلفاتي الماضية..لقد فوجئ الناس ذات يوم بفتى في العشرين يلقي بحصاة ضخمة في مستنقع الركود الآسن، فيهجر استجابة لنزوة جنونية مدرسته وبلدته ويفد الى بغداد صعلوكا عاطلا طويل الشعر او عامل بناء اجيرا يطالعه كل صباح وجه الجوع الاصفر، فلا يكبح فيه ذلك الطموح الهائل الى الشعر والتمرد، فقد كان عقد العزم على ان يلفت الجو الشعري المحتشد بالاسماء المشهورة بطريقته الجديدة الخاصة متحديا بذلك المدينة بطريقته الشاذة كخطوة اولى في مسرة صعبة وصاخبة الى قمة الجبل مقتبسا مما قرأ قناعة (عاطفية) بأن الفنان لن يرتفع الى القمة الا عن طريق الحضيض، كان مهما وضروريا له ان يبدو كتلة نار وسيوف.. وكانت الشرارة الاولى في هذه الكتلة الحمراء يوم انتصب الشاعر الناشئ ليكشف في الصفحات الاول من كتابه الرجيم عن رغبة حادة في المجابهة والتمرد على (اعز) مايملكه الاخرون من (فضائل) اخلاقية:(ايها القارئ المحترم.. انك لا تفضلني على الرغم من قذارتي وانحطاطي وتفسخي الا بشيء واحد، وهو اني احيا عاريا بينما تحيا ساترا ذاتك، فنصيحة مني الا تقدم على قراءة هذا الديوان اذا كنت تخشى حقيقتك وتخاف رؤية الحيوان الرابض في اعماقك)..ان شاعرا ناشئا مغمورا في اواخر الاربعينيات لايرضيه ان يعترف بأنه وعائلته والورى تسري باصلابهم الارجاس من زمن، بل يهز جمود قارئه المتطابق فيحمله حملا على التغني بذلك النشيد الحقير والانتماء الى الطين المدنس لجدير بأن يثير من عواصف الاستنكار ما ينسى الناس في غبارها ان هذه القصائد المجلجلة في صخب او الحزينة في انكسار، لاتكاد تخرج عن دائرة الشعر الخطابي الموروث والعاطفي السائد، لولا ما انطوت عليه من جهر بالمحرم واعتراف بالمشين.. نسي الناس في غبار الضجة والمحاكمة ولجب الخصوم والانصار ان تلك القصائد العارية محاكاة شخصية لافاعي الفردوس تبدأ من اجوائها ومحاورها الاساسية:(النشوة كبديل عن مهزلة الايام، الجنس كمبدأ واساس لبناء الشخصية الانسانية، الحب مهرب من موت وجواب عليه).. وتتجاوزها الى اضافات واختلافات ثانوية صغيرة في المعاني لاتنتهي الى تفوق في المستوى والمعالجة والاسلوب، فمجموعة (قصائد عارية) على صعيد التقييم الفني تكاد تكون تنويعات على نغمات ابي شبكة الاصيلة وهوامش (عراقية) في زوايا عالمه الاحمر دون ان ترقى الى مستوى الافاعي اشراق ديباجة ونصاعة بيان ونضارة لغة واحكام بناء، وتضيف الى تلك المحاكاة او تستعيد فيها، الوقوف عند ذلك الجرح التقليدي الموروث: ينز في قلب انسان كان بالامس شاعرا عبقريا طاهر اللحن ثم عانت به صروف الليالي، منتهية الى نزعة شبه فلسفية اساسها ان ميلاد الانسان كغيابه لعنة لو مسّها الحب استحال المرء مفعم الروح.. وبغياب الحب تموت رجفة الخير في الضمير ولايعود القلب سوى حفنة من تراب، تلك نغمة سائدة في شعر اواخر الاربعينيات الرومانتيكي.. اذ يكفي ان تقرأ مثلا (خفقة الطين) لتلحظ سيادتها في شعر حسين مردان وبلند الحيدري المبكر، فكأننا اذ نقرأ الخفقة والقصائد العارية انما نقرأ كتابا واحدا له ما يماثله ويتفرع عنه ويعلو عليه في شعر الاربعينيات العراقي والعربي، لقد كان حسين مردان وبلند الحيدري وصفاء الحيدري ابرز ممثلي هذه الرومانتيكية الجنسية الجديدة،، سوى ان حسينا كان اكثر جرأة في الذهاب الى اطراف من هذه الدائرة يحيلها مواقف  ونظرات واحكاما عن الحياة والانسان.. وجذر هذه الرومانتيكية هو الياس ابو شبكة الذي ورق بدوره هذا النزوع وبلغ به مستوى شعريا مرموقا حين طبعه بطابع الاصالة والنضج الذي مهدت له ثقافته الاوربية، الفرنسية خاصة.على ان حسين مردان في استلهامه العاطفي الحار لهذا النزوع الرومانطيقي لم يكن مقلدا كاذبا ينتحل تجربة لم يعرفها او يجعل من المحاكاة الشعرية تعويضا سيكلوجيا عن فقر او غياب التجربة الفردية.. فقد كان حسين مردان منذ البدء شاعر عاطفة محتدمة لاتني تستعر في قلبه وجسده،، وكان ميله الى تقديم صور فاقعة عن حقائق الجنس العارية طبعا فطريا اغنته التجربة في المدينة والثقافة الادبية المنوعة، لكنهما لم يبتعدا به عن العفوية والتلقائية المحتدمة بنزعة حسية مشبوهة.. فرغم ان ظل ابي شبكة ينبسط على اغلب قصائد الديوان، فلم يكن مرد ذلك ان حسين مردان يستعير تجربة لم يعشها كما يفعل صغار الشعراء الناشئين حين تكون المحاكاة عندهم دليلا على غياب التجربة الخاصة وتعويضا عنه، بل لان ابا شبكة كان قد ارسى دعائم عا

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top